بسم الله الرحمن الرحيم
من هو الإنسان؟
عندنا نقرأ قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ [المؤمنون: 12 - 14]
نفهم من الآية أن الإنسان هو الخلق الآخر الذي عبر عنه تعالى بقوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، إلا أن ذيل الآية المباركة وهي قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ يدلنا على أن خلقة الإنسان هي أحسن الخلقات، وإلا لماذا يقول هنا في خصوص خلق الإنسان ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ فهذا تعبير يرشد إلى أن خلقة الإنسان هي أحسن خلقة.
باعتبار أن جوهر الإنسان وهو الإنسانية، يمتلك عناصر أربعة لا يمتلكها مخلوق آخر: العقل والإرادة والشعور والفطرة الصافية النقية التي عبر عنها تعالى بقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]
وقد شرح هذه الفطرة في آية أخرى بقوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8»﴾ [الشمس: 7 - 8]؛ أي أن الخلقة البشرية تتميز على بقية المخلوقات مضافاً للعقل بأنها حين تسويتها ألهمت معرفة الفجور ومعرفة التقوى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3]
ما هو الهدف من وجود الإنسان؟
الهدف من وجود الإنسان أن يصل إلى مقام الخلافة، خلافة الله في الأرض، لاحظوا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ «30» وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ «31» قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ «32» قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «33»﴾ [البقرة: 30 - 33]
صحيح أن آدم كان شخصاً ولكنه كان رمزاً للإنسان؛ أي أن الملائكة لم يسجدوا لشخص آدم فقط وإنما سجدوا لوجود الإنسان بما هو إنسان، لحقيقة الإنسان بما هو إنسان، القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: 11]؛ أي أن آدم كان يمثل الحقيقة الإنسانية برمتها ولم يكن يمثل شخصه فقط، فكان المقام العظيم الذي حظي به هو مقام الإنسانية بكاملها.
إذن الخلافة التي عبر عنها تعالى بقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ المراد بها خلافة الإنسان، فالإنسان خلق لكي يمثل مقام الخلافة لله تبارك وتعالى في الأرض.
المقصود بخلافة الإنسان لله أن يكون الإنسان مرآة ومظهراً لله تبارك وتعالى في إدارة الكون، ولذلك تجسيد الخلافة هو عبارة عن إقامة حضارة، لا حضارة رأسمالية كالحضارة التي نعيشها، وإنما الحضارة المادية القائمة على
من هو الإنسان؟
عندنا نقرأ قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ [المؤمنون: 12 - 14]
نفهم من الآية أن الإنسان هو الخلق الآخر الذي عبر عنه تعالى بقوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، إلا أن ذيل الآية المباركة وهي قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ يدلنا على أن خلقة الإنسان هي أحسن الخلقات، وإلا لماذا يقول هنا في خصوص خلق الإنسان ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ فهذا تعبير يرشد إلى أن خلقة الإنسان هي أحسن خلقة.
باعتبار أن جوهر الإنسان وهو الإنسانية، يمتلك عناصر أربعة لا يمتلكها مخلوق آخر: العقل والإرادة والشعور والفطرة الصافية النقية التي عبر عنها تعالى بقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]
وقد شرح هذه الفطرة في آية أخرى بقوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8»﴾ [الشمس: 7 - 8]؛ أي أن الخلقة البشرية تتميز على بقية المخلوقات مضافاً للعقل بأنها حين تسويتها ألهمت معرفة الفجور ومعرفة التقوى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3]
ما هو الهدف من وجود الإنسان؟
الهدف من وجود الإنسان أن يصل إلى مقام الخلافة، خلافة الله في الأرض، لاحظوا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ «30» وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ «31» قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ «32» قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «33»﴾ [البقرة: 30 - 33]
صحيح أن آدم كان شخصاً ولكنه كان رمزاً للإنسان؛ أي أن الملائكة لم يسجدوا لشخص آدم فقط وإنما سجدوا لوجود الإنسان بما هو إنسان، لحقيقة الإنسان بما هو إنسان، القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: 11]؛ أي أن آدم كان يمثل الحقيقة الإنسانية برمتها ولم يكن يمثل شخصه فقط، فكان المقام العظيم الذي حظي به هو مقام الإنسانية بكاملها.
إذن الخلافة التي عبر عنها تعالى بقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ المراد بها خلافة الإنسان، فالإنسان خلق لكي يمثل مقام الخلافة لله تبارك وتعالى في الأرض.
المقصود بخلافة الإنسان لله أن يكون الإنسان مرآة ومظهراً لله تبارك وتعالى في إدارة الكون، ولذلك تجسيد الخلافة هو عبارة عن إقامة حضارة، لا حضارة رأسمالية كالحضارة التي نعيشها، وإنما الحضارة المادية القائمة على
ثلاثة أسس:
الأساس الأول: العدالة، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]
الأساس الثاني: الشهادة؛ أن تكون الأمة شهيدة على كل الأمم، وتقوم بمقام الرقابة ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143]
الأساس الثالث: الأخوة؛ أن تكون المجتمعات متآخية ومترابطة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
ما هو الطريق للوصول إلى هذا الهدف؟
إذا أراد الإنسان أن يصل إلى مقام الخلافة فلابد له أن يسلك الطريق للوصول إلى هذا الهدف، وهذا الطريق له مرحلتان:
المرحلة الأولى: التعلم.
لا يمكن لشعب أن يتفوق بدون علم، ولا يمكنه أن يفخر بدون علم، فالشعوب التي تفتخر بماضيها من دون أن يكون لها علم ومعرفة، هي شعوب متخلفة، ولا يمكن لشعب كمصر أو كشعب العراق أو أي شعوب أخرى أن تفتخر بأن لها ماض عريق، وأنه كانت لها حضارة عظيمة ما لم يكن الحاضر على نسق الماضي، وما لم يكن الشعب متألقاً بالعلم والمعرفة، فليس له فخر، لأن الفخر بالعلم والمعرفة، يقول القرآن الكريم: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]، ويقول: ﴿اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]
المرحلة الثانية: اتحاد العقل النظري والعقل العملي.
فكل إنسان لديه قوتان: قوة تسمى عقل نظري؛ وهي القوة التي تحلل وتستنج وتبرمج، وقوة العقل العملي؛ وهي القوة التي تبعث الإنسان نحو السلوك والعمل وهي المسماة بالضمير، التي يعبر عنها القرآن الكريم بالنفس اللوامة ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ «1» وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ «2»﴾ [القيامة: 1 - 2] فما دام لك قوتان وهاتان القوتان كان بينهما حاجب إذن لا يحصل اتحاد بين القوتين، وإذا ارتفع الحاجب اتحدت قوة العقل النظري مع قوة العقل العملي ووصل الإنسان إلى مقام الخلافة.
ومثال على ذلك الكثير من الناس يقومون بأشياء وهم لا يؤمنون بها، فإما أن يقوموا بها بداعي الخوف، أو بداعي المجاملة، أو بداعي الشهوة، فالعمل النظري لم يتحد مع العقل العملي، أي ما يقرره عقلي أنا لا أعمله وإنما أعمل شيء آخر، وأحيانا أؤمن بأشياء ولكن لا أقوم بتنفيذها لوجود مانع كالخوف والإكراه، كأي شيء آخر، إذن لا يوجد اتحاد بين العقل النظري والعقل العملي، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14] جحدوا بها أي جحدوا لساناً وعملاً، لا يطبقون مع أنهم يؤمنون بها في داخل أنفسهم.
إذن العقل النظري قد يفترق عن العقل العملي، فإذا اتحدا صار الإنسان يعمل ما يؤمن به، وما يؤمن به يعمل به، حينئذ يتحدث عقله وقدرته وحكمته ويكون هذا الإنسان مثالاً للنفس المطمئنة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ «27» ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً «28»﴾ [الفجر: 27 - 28]؛ والنفس المطمئنة هي التي اتحد العقل النظري والعقل العملي فيها، يعمل ما يؤمن به ولذلك يعمل باطمئنان وإلا مع وجود الحجاب بين العقلين يدخل تحت قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا «19» إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا «20» وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا «21»﴾ [المعارج: 19 - 21].
ما هي معالم هذا الطريق؟
عندما أصمم على أن أكون خليفة الله في الأرض ومثلاً للإنسان الكامل، وعندما أريد أن أحقق الإتحاد بين قوة العقل النظري وقوة العقل العملي، فمعالم هذا الطريق ثلاثة معالم:
المعلم الأول: الفكر.
أي القراءة الملكوتية للكون، فعندما يقرأ الإنسان الفيزيائي الكون فأنه يقرأ كيف يحل معادلات ترابط أجزاء الكون وذراته، وهذه تسمى قراءة مادية ملكية، أما القراءة الملكوتية للكون فهي أن تقرأ الكون دليلاً على وجود الله عزوجل، أن تقرأ الكون قراءة طريقية وآلية، وأن تتخذ الكون مظهراً لقدرة الله ومظهراً لعظمته تبارك وتعالى، يقول القرآن الكريم: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53]، ويقول القرآن الكريم: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ «20» وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ «21»﴾ [الذاريات: 20 - 21]، ويقول: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].
المعلم الثاني: الذكر.
في قوله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، فليس المقصود به هو الذكر اللساني وإنما الذكر القلبي؛ أي أن تلقن قلبك في كل وقت على وجود الله وحضوره وقيموميته على كل هذا الكون ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 2]
فهذا الذكر القلبي هو الذي يوصل قلبك إلى مرحلة الخشوع والخضوع والارتباط بالله تبارك وتعالى والانتقال إليه.
المعلم الثالث: الوجود الرابط بين الفكر والذكر.
كلمتي العلم والعقل في مصطلح القرآن لهما معنى مختلف.
فالعلم لا يراد به مجرد المعلومات؛ وإنما هو عبارة عن المادة العلمية التي تتحول إلى مادة روحية، ما لم تتحول المعلومات إلى مادة روحية تستقي منها الروح فهذا ليس بعلم بحسب المصطلح القرآن.
﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9] اعتبر القانت عالم، لأن العلم بنظر القرآن هو العلم الذي يقود إلى القنوت إلى الله عزوجل.
علم فيزياء، وعلم كيمياء، وعلم فلك، وعلم طلب، وكل علم إذا تحول إلى مادة روحية تدل الإنسان على درب القنوت لله عزوجل فهو علم حقيقي بمصطلح القرآن الكريم، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18]؛ أي من يمتلكون العلم الذي يربطهم بالله عزوجل.
ويقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28] فقد يكون هو عالم فيزياء وليس فقيه ولا عالم دين، ولكنه اتخذ الفيزياء طريقاً إلى الوصول إلى الله تبارك وتعالى، فيدخل تحت الآية المباركة ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، إذن العلم ما كان مادة معرفية تتحول إلى مادة روحية.
العقل والمقصود به هو توظيف المعلومات للوصول إلى الله، واستثمار المعلومات للوصول إلى الله تبارك وتعالى، لاحظوا القرآن الكريم كيف يستخدم العقل فيقول: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]
ويقول القرآن الكريم: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10]، هم كانت لهم عقول لكن لم يوظفوا عقولهم للوصول إلى الله، ويقول القرآن الكريم: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: 46] أي يوظفون معلوماتهم للتدبر من أجل الوصول إلى الله عزوجل ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24].
إذن إذا عرفنا مصطلح العلم والعقل عرفنا أن الوجود الرابط بين الفكر والذكر هو توظيف المعلومات بواسطة العقل للوصول إلى تقوى القلوب، وللوصول إلى مقام الخلافة الإلهية.
تعليق