بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
لا ينتهي دور السيدة فاطمة عليها السلام، يوم القيامة بالاقتصاص من الظالمين وقتلة الإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، بل إنَّها قد ادّخرت لنفسها موقفًا ومقامًا آخر، هو مقام الشفاعة. حيث تطالعنا الأخبار أنَّ السيدة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) لا تدخل نعيمها المخلّد إلّا بعد أن تستنقذ كلّ موالٍ ومحبّ لها ولشيعتها من العذاب، ففي رواية عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَقُولُ: ( دَخَلَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَ هِيَ حَزِينَةٌ فَقَالَ لَهَا مَا حُزْنُكِ يَا بُنَيَّةِ قَالَتْ يَا أَبَتِ ذَكَرْتُ اَلْمَحْشَرَ وَ وُقُوفَ اَلنَّاسِ عُرَاةً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ قَالَ يَا بُنَيَّةِ إِنَّهُ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ وَ لَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عَنِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ….... ثُمَّ يَقُولُ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَا فَاطِمَةُ سَلِي حَاجَتَكِ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِ شِيعَتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ وُلْدِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ شِيعَتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: انْطَلِقِي فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الْخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّينَ فَتَسِيرِينَ وَمَعَكِ شِيعَتُكِ وَشِيعَةُ وُلْدِكِ وَشِيعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ آمِنَةً رَوْعَاتُهُمْ مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ وَسَهُلَتْ لَهُمُ الْمَوَارِدُ يَخَافُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ وَيَظْمَأُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَظْمَئُونَ )، بحار الأنوار ، ج43، ص225.
إنّ الرحمة التي يصورها لنا هذا المشهد البديع لا توصف، وما رحمة الفاطميّة إلّا مظهر للرحمة الإلهيّة، فالسيدة الكريمة تأبى دخول جنانها وترك أيّ محبّ لأحد من شيعتها فضلًا عن محبّي ولدها (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) أجمعين، وتصف رواية أخرى عن الإمام الصادق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) الصورة التي تستنقذ فيها فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) البشر، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ : ( قَالَ جَابِرٌ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ فِي فَضْلِ جَدَّتِكَ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) إِذَا أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ اَلشِّيعَةَ فَرِحُوا بِذَلِكَ ….... فَيَقُولُ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ [تَعَالَى] يَا أَهْلَ اَلْجَمْعِ إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ اَلْكَرَمَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ وَ فَاطِمَةَ يَا أَهْلَ اَلْجَمْعِ طَأْطِئُوا اَلرُّءُوسَ وَ غُضُّوا اَلْأَبْصَارَ فَإِنَّ [إِنَّ] هَذِهِ فَاطِمَةُ تَسِيرُ إِلَى اَلْجَنَّةِ فَيَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ بِنَاقَةٍ مِنْ نُوقِ اَلْجَنَّةِ مُدَبَّجَةَ اَلْجَنْبَيْنِ خِطَامُهَا مِنَ اَللُّؤْلُؤِ اَلْمُحَقَّقِ اَلرَّطْبِ عَلَيْهَا رَحْلٌ مِنَ اَلْمَرْجَانِ فَتُنَاخُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَتَرْكَبُهَا فَيَبْعَثُ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ مَلَكٍ فَيَصِيرُوا عَلَى يَمِينِهَا وَ يَبْعَثُ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ مَلَكٍ يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يُصَيِّرُوهَا [يُسَيِّرُوهَا] عِنْدَ [عَلَى] بَابِ اَلْجَنَّةِ فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَ بَابِ اَلْجَنَّةِ تَلْتَفِتُ فَيَقُولُ اَللَّهُ يَا بِنْتَ حَبِيبِي مَا اِلْتِفَاتُكِ وَ قَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلَى جَنَّتِي[ اَلْجَنَّةِ ] فَتَقُولُ يَا رَبِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي فِي مِثْلِ هَذَا اَلْيَوْمِ فَيَقُولُ اَللَّهُ [تَعَالَى] يَا بِنْتَ حَبِيبِي اِرْجِعِي فَانْظُرِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حُبٌّ لَكِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِلِيهِ اَلْجَنَّةَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اَللَّهِ يَا جَابِرُ إِنَّهَا ذَلِكَ اَلْيَوْمَ لَتَلْتَقِطُ شِيعَتَهَا وَ مُحِبِّيهَا كَمَا يَلْتَقِطُ اَلطَّيْرُ اَلْحَبَّ اَلْجَيِّدَ مِنَ اَلْحَبِّ اَلرَّدِيِّ فَإِذَا صَارَ شِيعَتُهَا مَعَهَا عِنْدَ بَابِ اَلْجَنَّةِ يُلْقِي اَللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتُوا فَإِذَا اِلْتَفَتُوا يَقُولُ [فَيَقُولُ] اَللَّهُ يَا أَحِبَّائِي مَا اِلْتِفَاتُكُمْ وَ قَدْ شَفَعَتْ فِيكُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ حَبِيبِي فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ أَحْبَبْنَا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْلِ هَذَا اَلْيَوْمِ فَيَقُولُ اَللَّهُ يَا أَحِبَّائِي اِرْجِعُوا وَ اُنْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ اُنْظُرُوا مَنْ أَطْعَمَكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ اُنْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ اُنْظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ اُنْظُرُوا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غِيبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ خُذُوا بِيَدِهِ وَ أَدْخِلُوهُ اَلْجَنَّةَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اَللَّهِ لاَ يَبْقَى فِي اَلنَّاسِ إِلاَّ شَاكٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُنَافِقٌ )، تفسير فرات ، ج1، ص298.
وبرغم كلّ ما تقدّم، ومع أنّ الرحمة الفاطميّة تكاد تعمّ أغلب البشر إلّا المعاندين الجاحدين، إلّا أنّ لتلك الشفاعة مقدمات وشروطاً كما لا يخفى، وهي أن يكون الإنسان من شيعة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) الحقيقيّين، وذلك ليس بالأمر الهَيّن، والسيدة الأكمل سلام الله تعالى عليها هي بنفسها تبيّن تلك الشروط، حيث جاء في رواية ( وَ قَالَ رَجُلٌ لاِمْرَأَتِهِ: اِذْهَبِي إِلَى فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاسأليها عَنِّي: أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ ، أَوْ لَسْتُ مِنْ شِيعَتِكُمْ ؟ فَسَأَلَتْهَا، فَقَالَتْ (عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ): قُولِي لَهُ: إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِمَا أَمَرْنَاكَ، وَتَنْتَهِي عَمَّا زَجَرْنَاكَ، فَأَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا ، وَإِلاَّ فَلاَ. فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: يَا وَيْلِي، وَمَنْ يَنْفَكُّ مِنَ اَلذُّنُوبِ وَاَلْخَطَايَا؟ فَأَنَا إِذَنْ خَالِدٌ فِي اَلنَّارِ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِهِمْ فَهُوَ خَالِدٌ فِي اَلنَّارِ . فَرَجَعَتِ اَلْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ لِفَاطِمَةَ(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) مَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ): لَيْسَ هَكَذَا، إِنَّ شِيعَتَنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ ، وَكُلُّ مُحِبِّينَا، وَمُوَالِي أَوْلِيَائِنَا، وَمُعَادِي أَعْدَائِنَا، وَاَلْمُسَلِّمُ بِقَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ لَنَا، لَيْسُوا مِنْ شِيعَتِنَا إِذَا خَالَفُوا أَوَامِرَنَا وَ نَوَاهِيَنَا فِي سَائِرِ اَلْمُوبِقَاتِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي اَلْجَنَّةِ ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا يُطَهَّرُونَ، مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِالْبَلاَيَا وَاَلرَّزَايَا أَوْ فِي عَرَصَاتِ اَلْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعِ شَدَائِدِهَا، أَوْ فِي اَلطَّبَقِ اَلْأَعْلَى مِنْ جَهَنَّمَ بِعَذَابِهَا، إِلَى أَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ بِحُبِّنَا مِنْهَا، وَنَنْقُلَهُمْ إِلَى حَضْرَتِنَا )، تفسیر البرهان، ج4،ص602.
إذًا فكون المرء من شيعة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) الحقيقيّين المتستحقّين لنيل شفاعتها يوم القيامة ليس بالأمر السهل والميسر، بل إنّه يستدعي الجِدّ ويستلزم العمل الشاقّ والالتزام بأوامرهم والانتهاء عن زواجرهم (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) أجمعين. وما ذلك إلّا تعبيرٌ وتأكيد لأولوية الالتزام بالشريعة الإلهيّة التي طبقها المعصومون (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) في حياتهم وبيّنوها لنا وضحّوا بكلّ وجودهم من أجلّها وإبراز أهمّيتها .
وعليه فطريق تحصيل الشفاعة واضح، وبيّن، وساطع لا لبس فيه ولا خفاء، وهو نفسه طريق السير على خطى الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) والمعصومين (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ). ومع أنّ الطريق قد يبدو للوهلة الأولى وعراً وصعباً لأنّ فيه مخالفة الهوى وطاعة ربّ العزة، إلّا أنّ أيّام الدنيا توشك أن تنقضي مهما عمّر الإنسان فيها، وتوشك الآخرة أن تقع وهي تحمل معها الخلود الدائم إمّا في الجنّة وإمّا في النار، فلا ينبغي للعاقل أن يبيع خلوده وآخرته وسعادته الدائمة في سبيل أيامٍ معدودات في دنيا تحفّها النقائص من كلّ جانب. فمن تأمّل في حياة أئمتنا (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) عموماً وحياة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) خصوصًا وجد أنّه مع أنّ البلايا والمصائب أحاطت بها من كلّ جهة ولم تبقَ لوعة إلّا عايشتها (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) إلّا أنّها صبرت بعزم إلهيّ، حتّى أفيض عليها العوض الإلهيّ بما لا يقاس به عوض ولا يدانيه شرف. علّ ذلك يكون ذكرى لنا لترك هوانا ودنيانا والمسارعة في اللحاق بركب شيعة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) فنكون من الناجين الآمنين من العذاب ومن خيار أهل الجنّة .
والمسألة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هي أنّ الشفاعة ليست مختصّة بالسيدة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) فالنبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) والمعصومين (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) أيضًا لهم مقام الشفاعة، بل إنّ الروايات تحكي أيضًا عن نوع من الشفاعة للمؤمنين الموالين في هذا الإطار، فعن أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في حديث طويل يذكر فيه بعض طبقات الناس يوم القيامة أنّه قال: ( وَهَذِهِ اَلطَّبَقَةُ بَيْنَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ اَلْمُشْرِكِينَ هُمْ أَعْظَمُ اَلنَّاسِ وَجُلُّهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ اَلْحِسَابِ وَاَلْمَوَازِينِ وَاَلْأَعْرَافِ وَاَلْجَهَنَّمِيُّونَ اَلَّذِينَ يَشْفَعُ لَهُمُ اَلْأَنْبِيَاءُ وَاَلْمَلاَئِكَةُ وَاَلْمُؤْمِنُونَ وَيُخْرَجُونَ مِنَ اَلنَّارِ فَيُسَمَّوْنَ اَلْجَهَنَّمِيِّينَ )، بحار الأنوار، ج28، ص14.
إلّا أنّنا خصّصنا الحديث عن شفاعة السيدة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) تحديداً لأنّها (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) مورد بحثنا هذا ولكنّ ذلك لا يعني حصر مقام الشفاعة بالزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ).
وإنّ طلب الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) للشفاعة هو طلبٌ في قمّة الرحمة والرأفة والرقّة والإنسانيّة والكمال، وهي بهذا الطلب تعلّمنا الكثير الكثير، فهي إضافةً إلى رسالتها، رسالة الحبّ والرأفة والرحمة والكمال، هي تعلّمنا أن نطلب بذكاء أعظم الطلبات من الله عزّ وجلّ، حيث إنّ طلبها للشفاعة هو نفسه المقام المحمود الذي طلبه رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الله عزّ وجلّ وسعى نحوه، إذًا فهي طلبت أعظم طلبٍ في الوجود من العظيم على الإطلاق وهي تعلم أنّها لن تُرَد خائبة، حاشا لله. وقد تحمّلت عليها السلام في سبيل تحقيق طلبها ودعائها هذا كلّ ما قاسته في حياتها من مرارات وعذابات، فالشفيع هو شخصٌ ذو شأنٍ عظيمٍ عند الله عزّ وجلّ، وقد كان لها (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) ذلك الشأن، جرّاء سلوكها في حياتها. والشفيع هو الشخص الذي يسعى مريد الشفاعة نحوه، لينال رضاه وبالتالي ليحصل على الشفاعة، وعليه فإنّ هذ الطلب من الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) أوجد بشكلٍ تلقائيّ علاقة بينها وبين كلّ مريدٍ للنجاة، حيث لا يسلم أيّ إنسان من خطأ أو معصية، فالكلّ محتاج إلى فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، الكلّ مرهون لفاطمة، الكلّ محتاج إلى شفاعتها (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، وهي بذلك تكون قد أوجدت سببًا قويًّا جدًّا للارتباط بها والسعي نحوها وطاعتها، وما ذلك إلّا سعيٌ نحو الله عزّ وجلّ ونحو طاعته وتطبيق شريعته .
إذًا فلنكن مثل السيدة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، تملأ مشاعر الرفق والرحمة قلوبنا وكلّ وجودنا، فنبقى نتحسّس طرق مساعدة الآخرين من حولنا، ولنكن مثل فاطمة عليها السلام نطلب بذكاء أعظم الطلبات وأجلّها، ولنطلب من العظيم المطلق والقادر المطلق ولنكن على يقين بالإجابة .
تعليق