روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:
السَّخاءُ والشَّجاعَةُ غَرائزُ شَريفَةٌ
يَضَعُها اللّه ُ سبحانَهُ فِيمَن
أحَبَّهُ وامتَحَنَهُ.
ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٢٧٦
• كُــــــــن شُجاعاً
في سوح القتال تُبان شجاعة الرجال، وتُكشف صولاتهم البطولية في الميدان، وذلك حينما يدافعون عن المُثل العليا، ويطالبون بتحقيق الحرية، ويرفعون شعار وراية الإصلاح، من دون إدبار وفرار، وإن بذلوا مهجهم، ولقوا حتفهم.
قال لقمان الحكيم (عليه السلام): لا يُعرَفُ الشُّجاعُ إلاّ في الحَربِ.) ( وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ثلاثةٌ لا تُعرَفُ إلاّ في ثلاثِ مَواطِنَ: لا يُعرَفُ الحَلِيمُ إلاّ عِندَ الغَضَبِ ، ولا الشُّجاعُ إلاّ عِندَ الحَربِ ، ولا أخٌ إلاّ عِندَ الحاجَةِ. ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٥ - الصفحة ٢٢٩
لكن الشجاعة يا صديقي لا تقتصر في سوح القتال، إنما لها معاني ومفاهيم واسعة، ومصاديق وامثلة كثيرة، تكاد لا تعد ولا تحصى.
واليك بعض عناوين الشجاعة
- الصدق في الكلام
فمن المواقف التي تظهر مدى شجاعة الإنسان هي ان يكون صادقا في كلامه مع جميع أقرانه، وافراد نوعه، بحيث لا يجد الكذب حيزا ومجالا في كلامه مهما تعرض لشتى الضغوطات، وأعطى الكثير من التنازلات.
مع العلم ان قول الصدق ليس دائما سهل المؤونة، فإن كثيرا من الناس عند المواقف الشديدة وخاصة إذا ما كان الصدق سببا في خسارة صفقة دنيوية، والكذب مدعاة لكسب المنافع المادية فتراهم يفشلون وينهارون عند الاختبار، روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لَو تَمَيَّزَتِ الأشياءُ لَكانَ الصِّدقُ مَع الشَّجاعَةِ، و كانَ الجُبنُ مَع الكَذِبِ .) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٤١٢
لذا يجب على المرء ان يتصدى بكل شجاعة وقوة حزم امام ضغوطات النفس وتسويلات شياطين الانس والجن، فلا يخرج من فيه الا الصدق الذي يُرضي الرحمن ويسخط الشيطان عن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أُوصِيكَ يَا عَلِيُّ الصِّدْقُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ فِيكَ كَذِبٌ أَبَداً .....) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٦ - الصفحة ٣٩١
فالبعض يظن أن الكذب مباح لنيل المنافع وفي شتى مجالات الحياة، ولا يصح تفويتها بقول الصدق، وان الكذب ينجي وان الصدق يردي ، وهذه التصورات الخاطئة هي نابعة من التفكير الضيق، وضعف الايمان ، روي عن امير المؤمنين (عليه السلام(: الصِّدقُ يُنجِيكَ وإن خِفتَهُ ، الكِذبُ يُردِيكَ وإن أمِنتَهُ.)ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٥٧٢
وعنه (عليه السلام): الإيمانُ أن تُؤثِر الصِّدقَ حيثُ يَضُرُّكَ ، على الكِذبِ حيثُ يَنفَعُكَ.( شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٧٥).
- قول الحق
ومن مصاديق الشجاعة ان تقول الحق ولو على نفسك ولا تأخذك في الله لومة لائم، او طمع نفس، او رعيد ووعيد الآخرين او الخضوع لمغانم الفاسدين قال تعالى( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) روي عن علي (عليه السلام): إنّ للمؤمنِ على المؤمنِ سَبْعةَ حُقوقٍ ، فأوْجَبُها أنْ يَقولَ الرّجُلُ حقّا و إنْ كانَ على نَفْسِه أو على والِدَيْهِ ، فلا يَميلَ لَهُم عنِ الحقِّ . بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧١ - الصفحة ٢٢٣
ومن مصاديق الشجاعة في قول الحق التي خلدها ديوان الادب العربي هي ميمية الامير الفارس والشاعر المبدع ابي فراس الحمداني المتوفى سنة ۳٥۷ (رحمه الله) حيث نجد في هذه القصيدة مديحه لأنوار العترة المحمدية (عليهم السلام) من نمط متميز هو مدحهم من خلال عرض مظلوميتهم والبراءة من اعدائهم.
وقد دخل ابو فراس الحمداني بغداد عاصمة حكم بني العباس يومذاك وانشد في محفل عام قصيدته الاحتجاجية التي ادانت الجرائم التي ارتكبها طغاة بني العباس ضد ائمة العترة المحمدية (عليهم السلام ( جاء فيها:
الدِّينُ مُخْتَرَمٌ، وَالحَقّ مُهْتَضَمُ،
وفيءُ آلِ " رسولِ اللهِ " مقتسمُ
" بنو عليٍّ " رعايا في ديارهمُ ،
وَالأمرُ تَملِكُهُ النّسوَانُ، وَالخدَمُ!
أتفخرونَ عليهمْ ؟ - لا أباً لكمُ –
حتى كأنَّ " رسولَ اللهِ " جدكمُ
وَمَا تَوَازَنَ، يَوْماً، بَينَكُمْ شَرَفٌ،
وَلا تَسَاوَتْ بكُمْ، في مَوْطِنٍ، قَدَمُ
ولا لكمْ مثلهمْ ، في المجدِ ، متصلٌ
وَلا لِجَدّكُمُ مَسْعَاة ُ جَدّهِمُ
لَيسَ الرّشيدُ كمُوسَى في القِيَاسِ وَلا
"مأمونكمْ ك"الرضا" إنْ أنصفُ
تَبدوا التّلاوَة ُ من أبْياتِهِمْ، أبَداً،
وفي بيوتكمْ الأوتارُ ، والنغمُ
ما في ديارهمُ للخمرِ معتصرٌ ؛
وَلا بُيُوتُهُمُ للسّوءِ مُعْتَصَمُ
و لا تبيتُ لهمْ خنثى ، تنادمهمْ ؛
و لا يرى لهمُ قردٌ ، لهُ حشمُ
الرّكنُ، وَالبيتُ، وَالأستارُ مَنزِلُهُمْ
وَزَمزَمٌ، وَالصَّفَا، والحِجرُ، والحَرَمُ
صَلَّى الإلهُ عَلَيهمْ، أينَما ذُكرُوا،
لأنهمْ للورى ملجا ومعتصم.
حياة الإمام الرضا (عليه السلام) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٨
فرب كلمة في بعض المواقف المصيرية والشديدة تعدل ألف سيف في سبيل الله، وتكون منهاجا ونموذجا يحتذى بها في الازمان والامصار روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألاَ لا يَمْنَعَنَّ رجُلاً مَهابَةُ النّاسِ أنْ يَتكَلَّم بالحقِّ إذا عَلِمَهُ. ألاَ إنّ أفضَلَ الجِهادِ كَلِمَةُ حقٍّ عندَ سُلطانٍ جائرٍ.)
منقول بتصرف وتحقيق
مشرف ساحة اهل البيت عليهم السلام