بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
المتتبع لسيرة السيدة فاطمة الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) يجد أنها مدرسة متكاملة في مختلف أبعاد الحياة؛ حتى أضحت معرفة الإبعاد المتعددة لحقيقية الإسلام مرتبطة بمعرفة فاطمة(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) لأنها روح الرسالة التي يمثلها النبي(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهي وأولادها من بعدها امتداد للإسلام وقيمه وأخلاقه .
بعد وفاة رسول الله(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كانت فاطمة(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) تعيش مع زوجها الإمام علي أبن أبي طالب(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في أعلى مراتب الجهاد من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي والدعوة الإلهية التي أسسها وأرسى دعائمها خاتم الرسل وسيد البشر، وذلك عندما رأت الانحراف العريض الذي أصاب الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول الأعظم(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لتّربع بعض الذين لم يكونوا يمتلكون مؤهلات القيادة على منصة الحكم، وعندما شاهدت الحق يتزحزح عن محله لكي يحتل مكانه الباطل –بكل عنف وديكتاتورية- فإنها كافحت وناضلت ضد الباطل والأهواء المنحرفة، وطالبت بتحكيم دستور الإسلام وتطبيق نصوص القرآن لاختيار المواقف السياسية ولتقرير مصير الأمة الإسلامية
قدمت السيدة الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) نموذجا حول أهمية دور الإنسان في مجال الإصلاح والمطالبة ومقاومة المعتدين، وحول قدرة المرأة على هز عروش الظالمين، وصناعة جيل يتصف بالوعي ويعشق الحرية، ويؤمن بالتغيير ومقاومة التحديات والظالمين، ويرفض الذل والهوان والتخلف والاستسلام،.. فبعد وفاة الرسول الأعظم محمد(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) طالبت ابنته السيدة فاطمة الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) بحقوقها وحقوق زوجها وحقوق أبناء الأمة، وعندما رأت الشدة والممانعة رفعت عاليا راية المعارضة؛ فكانت أول امرأة في الإسلام ترفع راية المعارضة بوجه حاكم إسلامي..
لم تسكت الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) عن الظالمين والمنحرفين والفاسدين والمتاجرين بالدين والمتسلطين على رقاب الأمة في زمنها، وأدركت(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) أن مسيرة الانحراف في الأمة هي كمسيرة الانحراف عند الفرد، ما إن تبدأ بخطوة حتى تتلاحق بقية الخطوات، وهي كالفتن ما إن تلوح في الأفق، حتى تتكاثر ويعضد بعضها بعضا. وكذا التخاذل عن نصرة المظلوم وإحقاق الحق؛ فأنها «النصرة» تبدأ ضعيفة ثم تتسع وتكبر وهي تحتاج إلى صوت مدو يصدح بالحق ويذود عنه. خصوصا إذا كان هذا الظلم قد وقع على أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) فالظلم يزادا قبحا ويشتد حرمة كلما ازداد المظلوم عظمة ومكانة ومنزلة .
كشفت السيدة فاطمة الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) القناع عن الحقيقة، وأثبتت للجميع ممن إرتابهم الشك أو أسكتتهم سطوة الجبارين، أن أمر الخلافة مع علي أبن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عبر المطالبة بحقه، وفضح الغاصبين إلى يوم القيامة، ورسم المقاييس لمعرفة الحق عن الباطل وتربية الأمة على التصدي للجور وعدم السكوت عن الحق والتضحية بكل غال ونفيس في سبيل ذلك. فقد قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ( أَفْضَلُ اَلْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)، عوالي اللئالي ، ج1، ص432.
إن مشروعية مقاومة الظلم في نظر السيدة فاطمة الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) مبررة دينا وعقلا وذلك لاعتبارات منها: حفظ الكرامة الإنسانية، فالإنسان خلق مكرما ولا يصح إذلاله. قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾، سورة الإسراء،الآية 70. فالعدوان عليه وظلمه انتهاك لكرامته التي خصه الله بها ومقاومة الظلم فيها صون للكرامة الإنسانية. وأن مقاومة الظلم هي بسط العدل، والظلم نقيض العدل وكل ما يحقق العدل ويدفع الظلم فهو مشروع، قال الله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾،سورة الحج،الآية 39. ومن أهم عوامل استقرار المجتمع وتماسكه بسط السلام ولن يكون هنالك سلام إذا انتشر الظلم فمقاومة الظلم لبسط السلام مقصد من مقاصد الإسلام الشرعية. كما أن الإسلام يرفض الاستكانة والخنوع، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾، سورة النساءالآية 97.
ترى السيدة فاطمة(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ)أن الله لا يرضى للناس جميعا، فضلا عن المؤمن أن يكون ذليلاً، بل لا يحق له أن يقبل بواقع الظلم والإذلال والقهر. إذا كان للإنسان أن يتنازل لغيره ويتغاضى عن بعض حقوقه إلا انه غير مخوّل في أن يتنازل عن حقه في أن يكون عزيزا، مصان الحرمة، محترم الجانب، مرعي الحقوق، غير ذليل أو مقهور. وذلك لقول الله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾،سورة المنافقون،الآية 8 . فالمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا، فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنهُ قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا ، وَ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ، أَ لَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ﴿ ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ... ﴾ ، فَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَزِيزاً وَ لَا يَكُونَ ذَلِيلًا ، يُعِزُّهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَ الْإِسْلَامِ )، الكافي ،ج 5 ،ص 63.
يتضح مما تقدم: أن الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) كانت ممن رفع لواء الدفاع عن الحقوق والحريات وممن طالبوا بحق المجتمع ورفع الظلم عنه، وبالتالي هي مسؤولية إنسانية، وعلى محبيها والمصلحين أن يساهموا في تعريف الناس برسالاتها وأهدافها وشخصيتها... لأنها رسالة إصلاح وتغيير، ومن الصعب أن تتطور مجتمعاتنا وتتغير إلى الأفضل بدون أن تنزع المرأة حريتها ومكانتها، وتقوم بدورها الحقيقي وتتحرك بشكل صحيح، ولهذا لا بد من عودة المرأة إلى منبع الزهراء لحمل راية التغيير والمطالبة بالإصلاح والبناء .
وبناء على ذلك فلابد من التأكيد على:
أولاً: أن فاطمة الزهراء(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) بالرغم من أنها فارقت الحياة في عمر قصير، إلا أنها كانت ومازالت مشعل نور يكشف عن الزيف والاستبداد، ويقارع الطغاة الظالمين، ويقف بوجه كل من يريد طمس معالم الحق والحرية .
ثانياً: أن مطالبة فاطمة(عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) بحقها من السلطة الغاصبة هي درس لكل الأجيال، وخصوصا النساء بأن لا يسكتن عن المطالبة بالحق، وتحقيق العدالة عندما ترتكب المظالم، وتسحق الكرامات
ثالثاً: من الواجب تأهيل المجتمع، أفرادا وجماعات، وإعدادهم نفسيا بإزالة الخوف وإعادة الثقة إلى أنفسهم وتنمية قدراتهم على النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وهذا ما صنعته الصديقة فاطمة الزهراء في مخاطبتها الأنصار بقولها (ومنتدى ومجمع، وأنتم ذوو العدد والعدة...) هو إلفاتهم إلى ما قد غفلوا عنه (جميعا أو بعضا) من المقدرة على التصدي للظالم ولإزالة الرهبة والرعب من قلوبهم فان الناس والجماعات عادة تتخاذل عن نصرة الحق لأسباب منها الخوف الكاذب والانهزامية وضعف الثقة بالذات والقدرات.
رابعاً: في إطار الدعوة إلى نصرة الحق والدفاع عنه، تأتي في مقدمتها نصرة أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) والدفاع عنهم في المحافل والندوات والمؤتمرات واللقاءات والورش فان الله سبحانه وتعالى اوجب نصرتهم وحرم خذلانهم، فقد قال: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ﴾ ،سورة الشورى،الآية 23.
وقد بين التاريخ أن الذين نصروا أهل البيت من حيث أنهم دعاة للحق والحقيقة وينطقون عن الحق المطلق فان الذين نصروهم نصروا في الدنيا قبل الآخرة والذين خذلوهم خذلوا في الدنيا قبل الآخرة.
وفي كشف الغمة، رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ قَالَ: ( دَخَلَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ اَلْمَوْتِ فَانْكَبَّتْ عَلَيْهِ تَبْكِي فَفَتَحَ عَيْنَهُ وَأَفَاقَ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ أَنْتِ اَلْمَظْلُومَةُ بَعْدِي وَأَنْتِ اَلْمُسْتَضْعَفَةُ بَعْدِي فَمَنْ آذَاكِ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ غَاظَكِ فَقَدْ غَاظَنِي وَمَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّنِي وَمَنْ بَرَّكِ فَقَدْ بَرَّنِي وَمَنْ جَفَاكِ فَقَدْ جَفَانِي وَمَنْ وَصَلَكِ فَقَدْ وَصَلَنِي وَمَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَنِي وَمَنْ أَنْصَفَكِ فَقَدْ أَنْصَفَنِي وَمَنْ ظَلَمَكِ فَقَدْ ظَلَمَنِي لِأَنَّكِ مِنِّي وَأَنَا مِنْكِ وَأَنْتِ بَضْعَةٌ مِنِّي وَ رُوحِيَ اَلَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ ، ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): إِلَى اَللَّهِ أَشْكُو ظَالِمِيكِ مِنْ أُمَّتِي )، كشف الغمة ، ج1،ص497.
فالسلام عليك يا سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا والدة الحجج على الناس أجمعين، السلام عليك أيتها المظلومة، الممنوعة حقّها .
تعليق