اشتد البرد وارتعش جسدي، فقد كنت ولدت في جو معتدل وتربيت مع أخ شقيق يصغرني بعام، وكنت أحب أخي حبا عظيما، ولم أكن اخرج للصيد إلا وهو معي. ثم خرج يوما ولم يعد... عبثا حاولت البحث عنه في تيه المزارع والصحارى، ابحث عنه دون أن اعثر عليه. وجدت نفسي غريبا بين ذئاب من نوع مختلف، عشت بينهم وتزوجت منهم ذئبة، وصرت رب أسرة كبيرة اجري عليها... رأيت خيمة بيضاء، يجلس أمامها عشرة رجال حول نار أوقدوها، وعلى بعد خطوات منهم تنام مئات الخراف والنعاج والبقر... لم تكن أعمار الرجال متساوية، ورجحت أنهم أصدقاء أو إخوة. قال احدهم: ينبغي أن نتخلص من يوسف!! لم أكن مهتما بحديثهم قدر اهتمامي بمعرفة المكان الذي سيذهبون إليه غدا، قال احدهم: "لاَ تَقتلواْ يُوسُفَ وَأَلْقوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ يَلتَقِطهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ" سأل آخر: ماذا نقول لأبينا يعقوب حين يسألنا عن أخينا يوسف؟ اعترف أنني صعقت.. اكتشفت إن يوسف هو أخوهم الأصغر.. كيف يدبرون قتله؟ يقول: نقول أكله الذئب قال آخر: فكرة مثيرة نقول أكله الذئب ونحن غافلون عنه...
واقترح احدهم أن يخلعوا قميص يوسف عنه، ويلوثوه بدماء شاة يذبحونها. استمعت إلى حديثهم وفهمت لماذا ساد الأرض هذا المخلوق المسمى بالإنسان.
قال أكبرهم سنا: نصطاد ذئبا ونلطخه بدم الشاة التي سنلطخ بها قميص يوسف ونذهب بالذئب إلى أبينا، ونقول له: هذا هو الذئب الذي التهم يوسف، ها هو الدم لم يزل عالقا على جسده ومخالبه. ارتعشت مكاني من الغضب ، وفي اليوم الثاني وهكذا بغفلة وقعت فى الأسر، فراحوا يتشاورون في ذبح احد الخراف ثم لوثوا فمي ومخالبي وجسدي بدمه... القاني الإخوة على الأرض أمام شيخ ابيض اللحية مهيب الملامح، قال احدهم للشيخ الجليل: هذا هو الذئب الذى أكل يوسف... اصطدناه اليوم !
تأملت عيني الشيخ الجليل، وقلت: هذا هو يعقوب، وحين أدركت انه نبي من أنبياء الله، ملأني إحساس بالراحة حين قال الشيخ لأولاده:
دعوا الذئب وانصرفوا، خلت الغرفة من غيرنا، وبقيت مع يعقوب. اقترب مني وفك وثاقي واخرج قميصا ملوثا بالدم وقال: هذا قميص يوسف أيها الذئب، شممت القميص وتأملت نسيجه فوجدته سليما بغير خدش
فقلت: أيها النبي الكريم... كل الذئاب بريئة من دم ابنك يوسف.
قال الشيخ: اعرف أيها الذئب فكيف يفترس ذئب يوسف ويظل قميصه سليما ؟!
دنا مني الشيخ وسألني بصوت حزين أين ذهبوا بيوسف؟
قلت: لا ادري، ولكنني اقسم أيها النبي اننى ذئب غريب، جئت من مصر بحثا عن أخي الذي فقدته في إحدى رحلات الصيد ، اصطادني أولادك وأوثـقوني وجاءوا بي إليك . ونحن أيها النبي الكريم حرمت علينا دماء الأنبياء... قال الشيخ وهو يضم قميص يوسف: خرج الذئب يبحث عن أخيه وضيع أولادي أخاهم يوسف !!
من فينا الذئب الآن؟ أنا أم أولادك يا سيدي الكريم؟
ربت يعقوب على رأسي ثم نهض وفتح الباب وقال لي انطلق.