بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
على غير العادة المألوفة في خلق البشر فطرت فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) اُنموذجًا متفردًا؛ إذ شاء الله تعالى أن يحفها بالتميز في كل شؤونها وحيثياتها ولادةً، تنشئة، دورًا، وتضحيةً، ولمزاياها المتكثرة وحيثياتها المتنوعة وسمت بأسماء (ألقاب) كُثُر كشفت بنحو ما عن شيء من عظمة تلك الشخصية وتفردها، وإلّا فالاقتراب من حقيقتها الكاملة ضرب من محال؛ تقريبه كناظر باتجاه قرص شمس في ظهيرة يوم صائف، فالبصائر عاجزة عن إدراك حقيقة النور الإلهي كانحسار الأبصار عن مواجهة ضوء شمس مع فارق شاسع، والحقيقة ما زالت مصونة عن الكشف التام إلّا لقابل كامل كأبيها وبعلها وبنيها المعصومين (صلوات الله عليهم)، فعلى معرفتها دارت القرون الأُولى .
وفي الأمالي والعلل عَنْ عَبْدِ اَلْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحَسَنِيِّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ( لِفَاطِمَةَ (عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: فَاطِمَةُ ، وَاَلْمَذُوبَةُ ، وَاَلْمُبَارَكَةُ ، وَاَلطَّاهِرَةُ ، وَاَلزَّكِيَّةُ ، وَاَلرَّاضِيَةُ ، وَاَلرَّضِيَّةُ، وَاَلْمُحَّدَثَةُ ، وَاَلزَّهْرَاءُ . ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): أَ تَدْرِي أَيُّ شَيْءٍ تَفْسِيرُ فَاطِمَةَ ؟ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا سَيِّدِي، فَمِمَّا فُطِمَتْ؟ قَالَ: مِنَ اَلشِّرْكِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): لَوْ لاَ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) تَزَوَّجَهَا لَمَا كَانَ لَهَا كُفْؤٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ )، الأمالی (للصدوق) ، ج1، ص592.
وقد بيَّن الحديث المتصدِّر الكلام أسماء الزهراء(عَلَيْهَا السَّلاَمُ) التي تحاكي بعض من حيثياتها وكمالاتها، فسننتخب منها ما يتكفل بإعطاء قدر من معرفة تحجنا ودلالة تهدينا:-
يُبيّن الإمام الصادق(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)أنّ سبب تسمية السيدة الزهراء(عَلَيْهَا السَّلاَمُ)باسم فاطمة هو أنها فُطِمَت عن الشرّ حقيقةً، حيث قال(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)في حديث مع أحد أصحابه: ( تَدْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)؟ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا سَيِّدِي، قَالَ: فُطِمَتْ مِنَ الشَّر )، أي إنّها (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) لا سبيل للشرّ إلى جنابها، وهو يمثّل كلّ مبعد عن الله عزّ وجلّ، من قولٍ أو فعلٍ حتّى تفكير ونيّة، وهذا الحديث يؤكّد أنّ الخير فقط الخير هو ما يكتنف وجود الزهراء المقدّس
إن إجراء الخير والشر منحصر في يد القدرة الإلهية ، بل إن الله تبارك وتعالى هو خالق الخير والشر كما في رواية الكافي عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ ، وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يَقُولُ: ( إِنَّ فِيمَا أَوْحَى اَللَّهُ إِلَى مُوسَى وَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي اَلتَّوْرَاةِ : أَنِّي أَنَا اَللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا خَلَقْتُ اَلْخَلْقَ وَ خَلَقْتُ اَلْخَيْرَ وَ أَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ، فَطُوبَى لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَأَنَا اَللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا خَلَقْتُ اَلْخَلْقَ وَخَلَقْتُ اَلشَّرَّ وَأَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُهُ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ )، الکافي ، ج1، ص154.
قال بعض المحققين : إن هذا الحديث يعارض قوله: ( وَ اَلْخَيْرُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ اَلشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ )، فقه الرضا (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ، ج1، ص99 ، فلا بد أن يقال : إن معنى الخير والشر مقدر بالتقديرات الإلهية ، أو أن الخير والشر هي الجنة والنار والمراد من إجراء الخير والشر إقبال التوفيق وإدباره المستتبع للغفران والخسران .
وقالوا أيضا : إن الخير ذاتي والشر عرضي ، وتركيب العالم قائم على الخير والشر حسب ما تقتضيه الحكمة ، فكل قهر تقابله رحمة ، وكل شر يقابله خير ، إلا أن مراتب الخير والشر متفاوتة ، فخلق النار – إذن – خير وشرها نادر ، ولأن في خلقها مصالح وحكم ، وأما شرها فلا ينسب إلى الحق جَلَّ وَعَلَا ،فقدْ وَرَدَ في الحديثِ حَدَّثَنَا أَبِي وَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْوَلِيدِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالاَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ اَلْبَزَنْطِيِّ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: ( قُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَنَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالْجَبْرِ وَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالاِسْتِطَاعَةِ
فَقَالَ لِي: اُكْتُبْ: قَالَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ اَلَّذِي تَشَاءُ، وَ بِقُوَّتِي أَدَّيْتَ فَرَائِضِي، وَ بِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلَى مَعْصِيَتِي، جَعَلْتُكَ سَمِيعاً بَصِيراً قَوِيّاً، مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللَّهِ، وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، وَ ذَلِكَ أَنِّي أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ، وَ أَنْتَ أَوْلَى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي، وَ ذَلِكَ أَنِّي لاَ أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ. قَدْ نَظَمْتُ لَكَ كُلَّ شَيْءٍ تُرِيدُ )، التوحيد ، ج1، ص338.
وعلى أي حال فالأشياء لا تخرج عن أحد الأمور الخمسة التالية : إما أن يكون الشئ خيرا محضا ، أو يكون شرا محضا ، أو يكون الخير والشر معا بالتساوي ولكن الخير غالب ، أو يكون الشر غالبا أو يكونان متساويين .
أما القسم الأول : أي يكون الشئ خيرا محضا ، فمثل عالم الروحانيات التي لم يلحظ فيها الشر أصلا ، ومنه الأنبياء والأولياء ومنهم الصديقة الكبرى والعصمة العظمى ، فهي مبرأة وعارية بالحقيقة من الشرور والمفاسد منذ اليوم الأول ; لأن الله خلقها خيرا محضا وصلاحا صرفا ، فليس للشر والفساد إليها سبيلا ، ولهذا فالأفضل أن تستعمل لها صيغة البناء للمجهول فيقال « فُطِمَتْ مِنَ الشَّر » ، أي أنها قطعت عن كل شر وفساد ظاهرا وباطنا ، وكانت تلك المخدرة منبع الخيرات ومصدر البركات ، ولم يكن في وجودها المبارك شئ من الشرور والمعاصي والملكات الذميمة ، ولا يتصور ذلك في حقها ، بل لا يتصور احتمال ارتكاب المخالفة في حقها ، وكانت كذلك منذ الأزل لمقتضى الصلاح والحكمة .
ومحبة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) المنجية من النار لابدّ أن تقترن بحبّ خصال الخير وعقائد الحقّ التي كان ينطوي عليها قلبها الطاهر ، مع الانقطاع عن كل ما يمتّ إلىٰ الشرّ بصلة من الظلم والبغي والعدوان .
وواضح بأن ( فاطمة ) علىٰ صيغة ( فاعل ) ولكنها وردت في الحديثين الشريفين بمعنىٰ صيغة ( مفعول ) ؛ لكونها ( مفطومة ). ولهذا نظائر في القرآن الكريم ولغة العرب ، قال تعالىٰ :﴿ ... عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾، سورة الحاقة ، الآية: 21 ، قيل : أي مرضية ، وقوله تعالىٰ :﴿ ... مَاءٍ دَافِقٍ ﴾، سورة الطارق ، الآية: 6 ، قيل : أي مدفوق. وكقولهم : سرّ كاتم ، أي مكتوم وغيرها كثير .
ولكن هذا الاسم الشريف ( فاطمة ) جاء في حديث آخر علىٰ صيغة ( فاعل ) تعبيراً عن وصفه ولم يصرف إلىٰ معنىٰ ( مفعول ) .
وقدْ ورَدَ في حديثٍ شريفٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ اَلْبَصْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: ( قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَا فَاطِمَةُ أَ تَدْرِينَ لِمَ سُمِّيتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَا رَسُولَ اَللَّهِ لِمَ سُمِّيَتْ قَالَ لِأَنَّهَا فُطِمَتْ هِيَ وَ شِيعَتُهَا مِنَ اَلنَّارِ )، علل الشرایع ، ج1، ص179.
أما إذا قيل فطمت بالبناء للمعلوم ، فيعني أن فاطمة (سلام الله علیها) هي التي أبعدت نفسها عن الشرور ، وهذا الإبتعاد يحتاج إلى تأييد من الله جَلَّ وَعَلَا .
قال العلامة المجلسي (رحمه الله) : ويمكن أن يقال : إنها(عَلَيْهَا السَّلاَمُ) فطمت نفسها وشيعتها من النار وعن الشرور ، وفطمت نفسها عن الطمث ، ولكون السبب في ذلك ما علم الله من محاسن أخلاقها ومكارم خصالها فالإسناد مجازي .
تعليق