بمزاوجة الواقع بالخيال تجذب القصة القصيرة القارىء وتبعده عن الفة الواقع وتدفعه نحو عالم غريب يرتبط بالخوارق ، ويعبر عن الواقع تلميحا ، يراه بعض النقاد بانه هروب من هذا الواقع ، وحقيقة الامر هو ملكة يطوعها الكاتب المتمكن ليلخص هموم الواقع بقصص الخيال ، والكاتبة ( رزنة صالح) قدمت في قصتها( صديقة الصبار ) محاورة جميلة ارتكزت على فعل ابداعي اعتمدت وتيرة القص ظاهرا على بساطة التحاور حتى يخيل وكأنها مخصصة لعوالم الطفولة ، وتفاجئنا الكاتبة بالعمق الفلسفي ، ففي اول مرتكزات القصة نجد استهلالا زمانيا ومكانيا ، وكانها تريد ان تمنح قصتها الخيالية واقعا معاشا ( مررت اليوم على حديقة تقع بالقرب من المنزل ) جذرت واقع القصة بالوعي اليومي ، لتتجلى الالفة مع المتلقي وقرب الواقع المكاني الحديقة وقرب من المنزل لتديم هذه الالفة ثم ترسم مطبات صغيرة تشاكس التوقع ، ( القيت نظرة أخيرة على المكان ) مشاكسة في قمة الدقة التقنية ، هل هناك ما يستدعي هذه النظرة الأخيرة ، من سيفارق من ؟ الكاتبة تفارق المكان أم المكان يفارق الكاتبة ؟ الاستهلال خلق جمالي يدرك من خلاله المبدع افق عمله الادبي وقدرته على جذب متلقيه فالاستهلالي جزء لايتجزأ من القصة ، ولهذا كانت الكاتبة يقظة لاستثمار هذه الاستهلالية عبر الحدس الزماني والمكاني ، ولكونها أمرأة تعبر عن رؤيتها للعالم بأسلوب له خصوصيته ، والانسنة .. كلام الجمادات ، مهم جدا في تضمين القص منظومات فكرية تنمو عند الكاتبة ، منحى فلسفي لأستخلاص وجهة النظر ــــ الموقف ، لاتصمتي ... الحزن يمتلك جاذبية خارقة لجذب الأنظار ) الانسنة تعني محاولة تقديم مفاهيم معنوية وإقامة تعالق فكري يكسب تلك الأشياء صفات وخصائص إنسانية بغية خطاب بث تعليمي او حكمة تستبطنها العلائق لتخليق معنى ينشط مخيلة المتلقي لأستقبال المضمون القصدي ــ الحكمة ( الحياة ستمضي حتى وان اخذت قطع من ارواحنا معها ، لكنها لن تقف لتقديس احزاننا او الشفقة علينها لذلك عيشيها كما هي ) استطاعت الكاتبة تأكيد خصائص الحياة والاشياء الفاعلة في ذاكرة المتلقي ، واستثمرت فاعلية الاستفهام في تفصيل الحادثة السردية ، لاغراء المتلقي بمتابعة الاحداث وقراءة التاويلات الناتجة عن الاستفهام ( الاتسمعيني صوتك ؟/ لماذا هذا الحزن يا جميلتي ؟ / هل عندك شك ؟) بنية الاستفهام قادرة على الاثارة والدهشة والجدل ( ماذا عن اهدافك؟/ من قال ذلك ؟/ هل يوجد في البشر من يشعر بما اشعر به ؟ ) تعرض احداث القصة بطرق مختلفة منها السرد المباشر لسهولة التعبير عن الأفكار ، استخدمت الكاتبة المباشرة واستخدام لا الناهية تحتك مباشرة بروحية المتلقي ( لاتنسي / لاتصمتي / لاتراوغي فالكل هنا حتى وان رأيتي بين فكيه ابتسامته الا ان روحه عالقة ، تنزف ) المساحة التي توفرها القصة قادرة على طرح رؤى فلسفية تتجلى لتقرب بنية النص من المعنى الفكري ( لااعلم هل الحزن يقود أصحابه لاشباهه ) هذا النمط من الكتابة يؤثر في المتلقي ، كونه يمتلك ايحاءات كثيرة ، ( لايوجد شيء حولي يقودني الى اليقين ) ولا يعني ان تلك الجملة المتكونة من جوهر الفلسفة هي جملة انكسارية ، بل هي التي تبحث عن يقين ، لتصل بنا الى مفهومها الخاص الى رؤاها بان الحياة ستمضي عيشيها كما هي قدمت رزنة صالح نصا جميلا غنيا بالرؤى ، وهذا هو رهان مشغلنا بالمبدعات
أعجبني
تعليق
مشاركة
تعليق