المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
البحث في إيجابيات الحوار الإسلامي البنّاء، وسبل الثقة بأنماط الطرح وحيثياته من حيث ولوجه إلى الذهنية العامة، وتقبله بدون ريب أو شك يعد حاجة ملحة تؤرق الشارع الإسلامي في بحثه المسهب عن العناصر الإصلاحية السليمة في تنظيرات غير مشوشة... وحسب علمي أن تلك الأزمة إنما تولدت نتيجة تصدي أناس غير كفوئين لمسائل الطرح والحوار الإسلامي، ومن زوايا ضيقة تحدها ايديولوجات تحزبية ومذهبية، أدت بالتالي إلى ارباك المتلقي بمنظومات متخلخلة غير واضحة المعالم والتوجهات...
والوصف الدقيق لتلك الحالة ماقاله الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام : (قصم ظهري اثنان عالم متهتك وجاهل متنسك) فهناك العالم الذي تزود علما، ولكنه لا يتورع عن المحرمات، وهناك الجاهل الذي يدّعي الزهد والتنسك والعبادة لكنه يضلك بجهله وعماه...
وكلاهما لا يستطيعان إيصال الفلسفة الإسلامية بروحها الحية الأزلية إلى المجتمع التائه جله في مشاكل الحياة وتعقيداتها... ولا نختلف في أن أمزجة المتلقين للخطاب الإسلامي هي أمزجة متنوعة، فهناك الواعي لطبيعة الساحة الإسلامية، وما يدور على طاولة السجالات حسنه من قبيحه، وهناك المتلقي البسيط الذي ينعق مع كل ناعق، يتفاعل بسرعة ويصدق كل الاطروحات ويقوم بنقلها، مما ينتج لدينا تزاحما في مصاديق شتى، تعرّض دور المصلح الحقيقي إلى تناسي صوته، وسط ضجيج الأصوات... هذا الوضع المزري أنتج حالة عدم الثقة بالشخص التنويري، وانفصمت عرى القناعة بالحوار الإسلامي، والذي بدوره بات يمثل قاعدة عريضة من الثقافات والتوجهات، وكل يدلو دلوه ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فيبدو الطرح ومنذ الوهلة الأولى فاقدا لروح النماء والإستمرار، فليس كل من يرتقي سامقا يستحق العلو والتبجيل... وبالقراءة المتأنية للتاريخ، وما حفل به من مفارقات عجيبة، نرى كيف تصدى الكثير من المجرمين والمفسدين لدفة تلك الأعواد التي فقدت حقيقتها الناصعة بعد رحيل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وتوالي الأحداث المؤلمة على عترته الطاهرة حتى قال الشاعر:
بكت المنابر منذ انزوت فوقها *** تلك القرود وناحت الأعواد
انظر الى الأعجاز كيف تصدرت *** وعمائم السادات كيف تساد
وللخروج من تلك البوتقة المظلمة والمتاهة المحيرة لابد من إعادة ترتيب أسس الحوار وصياغة الطرح الوحدوي الذي يأخذ بعين الإعتبار آمال الإنسانية وتطلعاتها نحو العيش في مجتمعات آمنة ومستقرة، وطي صفحة التمزق والخلاف إلى غير رجعة... والنظر بروية وتأني إلى الحوار الإسلامي، والأخذ به، إن كان يوافق رسالة الإسلام الحقيقية الموثوق بها ومن مصادرها الأصيلة والتي تحترم النوع الإنساني وتجل حقوق الإنسان ومعتقداته...