المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من خطب سيد البلغاء المليئة بالحكم والمواعظ العظيمة وذلك في عهده عليه السلام إلى الأشتر حين ولاه مصر وأعمالها) هذه الكلمات تستحق الوقفة والتأمل فيها
فأنه قال
*بسم الله الرحمن الرحيم.*
مكيدتك وأسرارك بأجمعهم (١) لوجوه صالح الأدب ممن يصلح للمناظرة في جلائل الأمور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن، أطواهم عنك لمكنون الاسرار كشحا ممن لا تبطره الكرامة ولا تمحق به الدالة فيجترئ بها عليك في خلاء أو يلتمس إظهارها في ملاء، ولا تقصر به الغفلة (٢)
عن إيراد كتب الأطراف عليك وإصدار جواباتك على الصواب عنك وفيما يأخذ ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور
فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل. وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك ودواوين جنودك قوما تجتهد نفسك في اختيارهم، فإنها رؤوس أمرك أجمعها لنفعك وأعمها لنفع رعيتك. ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك (٣) وحسن الظن بهم، فإن الرجال يعرفون فراسات الولاة بتصنعهم وخدمتهم (٤) وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة.
ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة (٥)، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره.
ثم مرهم بحسن الولاية ولين الكلمة واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها (٦)
ولا يتشتت عليه كثيرها، ثم تفقد ما غاب عنك من حالاتهم وأمور
_______________________
(١) بأجمعهم متعلق باخصص، أي ما يكون من رسائلك حاويا لشئ من المكائد والاسرار
فاخصصه بمن كان ذا أخلاق وصلاح ورأي ونصيحة وذهن وغير ذلك من الأوصاف المذكورة.
وطوى الحديث: كتمه. وطوى كحشا عنه أي أعرض عنه وقاطعه. وبطر الرجل يبطر بطرا -
محركة - إذا دهش وتحير في الحق. وبالأمر ثقل به. وبطره النعمة: أدهشه. والدالة: الجرأة.
(٢) أي ولا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك ولا في اصدار
الأجوبة عنه على وجه الصواب.
(٣) الفراسة - بالكسر -: حسن النظر في الأمور والاستنامة: السكون والاستيناس،
أي لا يكون انتخاب الكتاب تابعا لميلك الخاص.
(٤) وفى النهج [بتصنعهم وحسن خدمتهم].
(٥) النبل - بالضم -: الذكاء و: النجابة والفضل.
(٦) أي لا يقهره عظيم تلك الأعمال ولا يخرج عن ضبطه كثيرها.