المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن المدلولات البلاغية للمفهوم الاصطلاحي المتطور، قد خلق خلطا معنويا بمفهوم الكناية: أي ترك التصريح والتعبير المباشر، لدلالة أن إيراد القصد عن طريق الكناية أعم وأبلغ من أن تكون الدلالة باللفظ المباشر، وهذا بيان قد استوضح من السياق والقرائن الدالة، ويسمى باصطلاح أهل البلاغة، بالتعريض اللغوي في الكلام، حيث يطلق الكلام ويشار به إلى معنى يتبين من خلال سياق الجمل، ومن ظرف القبول... وهو أحد أساليب الكناية، كما إن استخدام التعريض أكثر تمكينا لبلوغ الامر بوجه اللطف، وأحسن من الكشف والتصريح عنه، وللتعريض فروع كثيرة؛ فمنها التعريض للإنصاف، كما في قوله تعالى:
(وَإنَّا أَوْ إيَّاكمْ لَعَلى هُدىً أَوْ في ضَلال مُبين) سبأ/24 حيث يتضح وجه الإختيار دون تسمية الفريقين، وهناك فرع آخر هو التعريض للتخفيف: فهو إخفاء حاجتك لأمر ما بأن تأتيه مسلـِّما، ولا تذكر حاجتك، فيكون إقتضاء للشخص الآخر المقصود، كما في الآية الكريمة:
(قالُوا جَزاؤهُ مَنْ وُجدَ في رَحْله فهُوَ جَزاؤهُ كَذلكَ نَجْزي الظَّالمينَ) يوسف/75
وأما التعريض للإعظام: فهو تقبيح الفعل لشخص لا ينبغي له عمله بعرضه، وقد قبح له ما أتاه من غير أن يواجه به، كما في الآية الكريمة: (مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَّوْراةَ ثمَّ لَمْ يَحْملوها كَمَثَل الحمار يَحْمل أَسْفارا بئسَ مَثَلُ الْقَوْم الَّذينَ كَذَّبُوا بآيات الله وَالله لا يَهْدي الْقَوْمَ الظَّالمينَ) الجمعة/5
وأما التعريض للاحتراس: فهو مجابهة العصاة، بما يكرهون وان استحقوا ذلك خوفا من أعمالهم؛ أي من باب (استدراك الخطأ قبل وقوعه) وذلك من خلال التعريض بالكلام كما في قوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الإنعام /108
وأيضا في قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) طه/44 وأما التعريض للبقيا: فيتضح لنا هذا الفرع، من خلال إخفاء أسماء المنافقين والإفصاح عن أوصافهم كما في الآية الكريمة: (وَمنَ النَّاس مَنْ يَقول آمَنَّا بالله وَباليَوْم الآخر وَما هُمْ بمُؤمنينَ) البقرة/8
والاستحياء فهو فرع آخر من التعريض، الذي يكنى عن الحاجة بالمواضع التي تقصد لوضعها فيها كما في قوله تعالى: (وَمنْ حَيْث خَرَجْت فوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجد الْحَرام وَإنَّهُ لَلْحَقُّ منْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ)