بسم الله الرحمن الرحيم
1- الإقبال القلبي
والمراد به التوجه الى الله تعالى بالقلب وصرف الفكر عمَّا عداه من الأسباب الدنيوية, فمن يقف أمام مالك كلّ الأشياء والقادر المطلق على كل شيء, وبارئ الدنيا وما فيها فمن العيب أن يفكر فيما عداه, وقد أكّدت الكثير من الروايات الشريفة على أهمّية الإقبال القلبي وأثره في قبول الدعاء وسماع الله تعالى من العبد، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ الله عزَّ وجلَّ لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ ساهٍ, فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة"1.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال: "إذا دعوت فأقبل بقلبك وظنَّ حاجتك بالباب"2.
2- الأمل بالله وحده
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قبله لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه"3. وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام: "ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث، يا عيسى؛ سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء ومنّي الإجابة"4.
3- ترقيق القلب
وينبغي عند الدعاء استشعار رقّة القلب وحالة الخشية، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اغتنموا الدعاء عند الرقّة، فإنّها رحمة"5، ولعلّ السبب في ذلك أنّ رقّة القلب والخشية تولّد الإخلاص كما أشارت بعض الروايات، فعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "بالإخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتد الفزع، فإلى الله المفزع ". وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا رقّ أحدكم فليدع، فإن القلب لا يرقّ حتّى يخلص". ومع ازدياد رقّة القلب تزداد المقبوليّة عند الله تعالى ويصبح الدعاء أقرب للإجابة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا اقشعرّ جلدك، ودمعت عينك، ووجل قلبك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك".
4- البكاء والتضرع
وللبكاء ثواب جزيل عند الله تعالى، وقطرة من دمع الخاشعين تساوي الكثير الكثير يوم القيامة,وفي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "ما من عينٍ إلا وهي باكيةٌ يوم القيامة إلا عيناً بكت من خوف الله وما اغرورقت عينٌ بمائها من خشية الله عزَّ وجلَّ، إلا حرَّم الله عزَّ وجلَّ سائر جسده على النار ولا فاضت على خدِّه فرهق ذلك الوجه قترٌ ولا ذِلَّة، ومَا مِن شَيءٍ إلا وله كَيلٌ ووزنٌ إلا الدَمعَة، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُطفِئ بِاليَسيرِ مِنهَا البِحارَ مِنَ النارِ، فلو أنَّ عبداً بكى في أمَّةٍ لرحِمَ اللهُ عزَّ وجلَّ تِلك الأمَّةَ بِبُكَاءِ ذلك العَبد"6.
بل في رواية أخرى أنّ تلك الدمعة هي أحبّ القطرات إلى الله تبارك وتعالى فعن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من قطرة أحبّ إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره"7.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ بالله ومجّده واثني عليه كما هو أهله، وصلّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسل حاجتك، وتباك ولو مثل رأس الذباب، إنّ أبي كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك"8. والبكاء يجعل ا لدعاء أقرب للإجابة، فقد ورد في الرواية عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أنّ عبداً بكى في أمّة لرحم الله تعالى ذكره تلك الأمّة لبكاء ذلك العبد"9.
وإن لم تستطع البكاء فتذكر الموت وأهل القبور فإن ذلك قد يرقق القلب ويجري الدمع، فعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "أدعو فاشتهي البكاء ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي، فهل يجوز ذلك ؟ فقال عليه السلام: " نعم، فتذكّرهم، فإذا رققت فابك، وادع ربّك تبارك وتعالى"10.
5- الإلحاح في المسألة
فلا يتعجل المؤمن قبول الدعاء وسرعة الإجابة، فقد يؤخر الله تعالى الإجابة لحكمة لا يعلمها، فإنّ الله تعالى يحبّ الإلحاح من العبد في الطلب منه وسماع طلبه وتضرعه ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ كره إلحاحَ الناس بعضهم على بعضٍ في المسألة وأحبَّ ذلك لنفسه، إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يُسألَ ويُطلب ما عنده"11.
وكذلك فإنّ كثرة الإلحاح في الدعاء من دواعي الإجابة كما أشارت الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله لا يلحّ عبد مؤمن على الله عز وجل في حاجته إلا قضاها له"12.
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله فيترك الدعاء، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عز وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء، قلت: كيف يستعجل ؟ قال عليه السلام: يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة"13.
وجاء في وصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: " فلا يقنطك إبطاء إجابته، فإن العطيّة على قدر النيّة، وربما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته"14.
ومن أجمل ما في الباب من التعليل لبطء الإستجابة ما ورد من سؤال أحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام للإمام عن ذلك ففي الرواية قلت للرضا عليه السلام: جعلت فداك إنّي قد سألت الله تبارك وتعالى حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال عليه السلام: "يا أحمد إيّاك والشيطان أن يكون له عليك سبيلاً حتى يعرضك، إنّ أبا جعفر صلوات الله عليه كان يقول: إنّ المؤمن يسأل الله الحاجة فيؤخّر عنه تعجيل حاجته حباً لصوته، واستماع نحيبه ثمّ قال: والله لمَا أخّر الله عن المؤمنين مما يطلبون في هذه الدنيا خيرٌ لهم ممَّا عجَّل لهم منها، وأي شيء الدنيا؟ إنّ أبا جعفر كان يقول: ينبغي للمؤمن أنّ يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشِدَّة، ليس إذا ابتلى فَتَر، فلا تَمِلَّ الدعاء فإنّه من الله تبارك وتعالى بمكان"15.
* الدعاء , سلسلة الاداب والسنن, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية،آخوندي-الطبعة الثالثة-مؤسسة أهل البيت- ج 2- ص 473
2- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية،آخوندي-الطبعة الثالثة- مؤسسة أهل البيت- ج 2- ص 473
3- الحر العاملي- محمّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج 16- ص95.
4- الحر العاملي- محمّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7- ص143.
5- المجلسي-محمّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج90- ص 313.
6- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية،آخوندي-الطبعة الثالثة- مؤسسة أهل البيت ج 2 ص 482
7- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية،آخوندي-الطبعة الثالثة- مؤسسة أهل البيت ج 2 ص 482
8- الحر العاملي- محمّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..-– ج7- ص74.
9- المجلسي-محمّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 90- ص336.
10- الحر العاملي- محمّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7- ص74.
11- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية،آخوندي-الطبعة الثالثة- مؤسسة أهل البيت ج 2 ص 475
12- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية،آخوندي-الطبعة الثالثة- مؤسسة أهل البيت- ج 2- ص 475
13- المجلسي-محمّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج7- ص 55.
14- المجلسي-محمّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- جزء 90- صفحة 302.
15- المجلسي-محمّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 09 ص 367