المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ليسَ غريبًا على من يمرُّ بِشَخصيةِ العباس (عليه السلام) أن تتبادرَ إلى ذهنهِ مفرداتٌ، جرتِ العَادةُ على مُلازمتِها لهذه الشخصية العظيمة بَعدَ واقعةِ الطَفِّ الأليم، من قبيل: العطش، الجود، الماء؛ وذلك لأنّ العباس (عليه السلام) قَد امتازَ بصفةِ سَقِي الماء، دونَ غيرِه، كماَ جاءَ على لسانهِ، وهو يرتجزُ بساحةِ الحرب:
إنّي أنّا العباس أغدو بالسِقا ولا أخافُ الشرَ يوم المُلتَقى
ومِن أبرزِ ما يذكرهُ أربابُ المقاتل والخُطباء، بخصوصِ هذه الصفة عندَ مَصرَع العباس (عليه السَلام) عطشُ سَكينة، ونَادرًا ما يذكرونَ عطش عَمّتها زينب (عليها السلام)، ولعلَّ السببَ في ذلك يعودُ إلى أنّها لَم تَطلبْ مِن العباس (عليه السلام) أنْ يجلبَ لها الماءَ كما طَلبت ذلك سَكينة، وحتّى لو طلبت زَينبُ الماءَ لا يكونُ لِنفسِها بل لِعبدِ الله الرَضيع، أو لِسجَّادها العليل؛ لأنّهما كانا أحوجَ للماءِ مِن غيرِهما..
فإن كانَ أبو الفضلِ قَد رمى الماء مِن بينِ كفيهِ، ولَم يشربْ حينما تذكّرَ عطشَ الحُسِين (عليه السلام) فهي رَمت بِنَفسِها على العليلِ، حينما أرَادوا قَتله، فكيفَ لهاَ أن تشربَ الماء قبله وقبلَ العيال، وهم بِكفالتها بعدَ الكفيل ووصية أخِيها الحُسين (عليه السلام)!
ولا عجبَ ممّن رَأت وقعَ الرزايا شيئًا جميلًا ، أنْ يكونَ صَبرُها على العطشِ هو أيضًا جميلًا، فمنذُ السابعِ مِن شهرِ عاشوراء لَم تَذُقْ قطرةً مِن الماءِ، إلى ما بعدهُ مِن أيامٍ لا يعلمُ عددَها ألا الله (تعالى)، حيثُ قَصرت المَصادرُ عن ذكرها، سوى ما قيلَ هنا وهناك، مِنها: أنّ الجيشَ الأموي أباحَ للعيالِ شربَ الماء، يومَ العاشرِ بعدَ المعركة، ومنها يومَ الحادي عشر وهو الأكثر ذكرًا، وسواء أكانَ هذا أو ذاك ففرارُ الأيتامِ وحرقُ الخيام فيه ما يَشغلُها عنهُ، وإن كانَ للنفسِ على الإنسانِ حقٌ، وأيّ نفسٍ؟! هي عالمةٌ غَيرُ مُعلّمة، وفاهمةٌ غيرُ مُفهمة، ولأجلِ هذا قَد تبتلُّ الشفاهُ الذابلات، إلا أنّ القلبَ يبقى في عطشٍ دائمٍ حتّى ظهورِ القائم.
أعجبني
تعليق
مشاركة