المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كانت الصغيرة طوالَ الوقت تسأل أين أبي؟ رغم مابها مِن ألمِ السياط ولهيب العطش ، فألم الفراق كانَ أشدَها وكل مرة يكون الجواب : إنهُ على سفرٍ ٍفتعود لدمعِها الرقراق ، وهي تنتظرُ قدوم الأب الحنون ، لِتفرش لهُ سجادة الصلاة كماَ كانت وتغفو بحجرِه الدافئ ، وقبلَ ذلك لاتنسى أنّ تخبره بماَ أصابها مِن ضربٍ وسبي ، وتريهُ قرطها المسلوب عندَ حرق الخيام ، لأنها لمّ تفر بالبيداء كما فرت الايتام احتضنت العقيلة زينب وراحت ترتجفُ مع عباءتها لماّ سوط الشمر اخذ يضربُ عَمتها وماَ إنّ ابتعد عنهماَ راحت تهدّئ قلبها المرتعد مِن الخوفِ : بُنية هل انتِ بخير؟ أجابتها بصوتٍ ضعيف : نعم عمتي انا بخير ، ولكنّ إلى أين نذهبُ وماَ هذه الجِمَال ؟ ضَمتها إلى صَدرها زينب عليها السلام / بالحال لكي لاترى لحزنها
أثراً وحَبست دمعها عن رقية هل تقول : لها سَنذهبُ بعيداً ونكون أنا وانتِ بنفسِ قيد حبل الأسر يلفنا.؟!
أم تقول : سَنرحل مع أناس بلارحمة حملوا رأس حبيبنا فوقَ القنا ، وتركوا بالعراء جسمهُ وقبلَ ان تسمع الجواب صاح بها أحداهم هيا اركبي أنتِ وأخواتك وكأني بها تلفتت إلى صوبِ مصرع أخيها القتيل لتقول: لهُ ؟
من يُركبنَا فعلي مازال عليلاً ونحنُ بلا كفيل.
ثمّ ركبَ الجميع وبجهدها قَد ركبت وعينها على رقية سارت القافلة وسط تلك الصَحراء القاحلة بلا غِطاء يظلهم مِن حَرارة الشمس ولا وقاء يقيهم مِن السقوط ولمّ تتَريث بالمسير ريثماَ يستريحُ الايتام فمازالوا مُنهكين مِن فِرارهم مِن الخيامِ لمّاَ سَعرت بها النيران وأي راحة بعد هذا العناء تنتظرُ سباياَ الرسول(صلى الله عليه وآله) ضحكاتُ الشامتينَ وقرع الطبول ،تحيطُ بهم نظراتُ الحاقدينَ مِن كلِ مكان إلى أن اوصَلتهم إلى الخربة حيثُ لا سقفٌ يظلهم مِن حرٍ ولاتَسترهم جدران ، سوى ظلّ زينب عليها السلام بعباءتها ومن حولها نساء ثاكلات ينظرن لزينب عليها السلام ، وتارة إلى السماء باكيات شاكيات بعدما نامت رقية فوقَ كثيب الرمال ولمّ تُعد تسأل ذاك السؤال ؟ اينَ أبي أين: ومرت لحظات ولحظات على نومِ اليتيمة ولا أحد يعلمُ على أثره تكون نهايتها الأليمة ، وراح جفنها المثقلُ بالأمنيات يتعلقُ برؤيا الحبيب المسافر، وتحاولُ التمسك به كي لايغادر ، لكنّه لمّ يستطع وغابَ مرة أخرى ، وبغيابهِ استيقظَ على واقعٍ فجيع فيه طشت يحملُ رأساً قطيعاً خَضبتهُ الجراح بالدماءِ كجفنِ رقية مِن فرطِ البكاء ، دمعة ودم طبعت على خدهِ ، لماهوت فوقَ رأس والدها وبينَ حنين وعتاب فارقت روحها الحياة لتسافر معهُ إلى الجنّة
قناتنا على التلغرام : https://