علي عبد الجواد
للعلم والمعرفة مرتبة عظيمة وشأن كبير لذوي الألباب، بهما يرتقي الإنسان سلّم الكمالات وبهما يبلغ المراتب العلا، ويُحترم الإنسان ويُبجّل لما يبلغ من مراتبه، حتى أن القرآن الكريم قد فرّق بين العالم والجاهل بقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[1].وعظمة العلم والمعلّم هي التي جعلت نبي الله موسى (صلوات الله عليه) يتبع معلّمه كما ذكره لنا القرآن الكريم:
﴿هل أتَّبِعُكَ على أن تُعلّمنِ ممَّا عُلّمت رُشداً﴾[2]، وفي واقعنا المعاش نحن نرى بأم العين تمايز الدول فيما بينها بدرجات ما توصلوا إليه من العلم.
من هنا صار من اللازم تعظيم المشتغل بالعلم وتوقيره وإعلاء شأنه، وهذا ما حرص عليه الإسلام وأكّد عليه، ونراه واضحاً من سيرة أهل البيت (عليهم السلام ) ومروياتهم الشريفة، ولعلّ رسالة الحقوق للإمام سيد الساجدين (صلوات الله عليه) خير شاهد، فقد جاء في رسالته الخالدة:
«وأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالعِلْمِ فالتَّعْظِيمُ لَهُ، والتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ، وَحُسْنُ الاسْتِمَاعِ إليهِ، وَالإقْبَالُ عَلَيْه، وَالـمَعُونةُ لَهُ عَلَى نفْسِكَ فِيمَا لا غِنَى بكَ عَنْهُ مِنْ الْعِلْمِ؛ بأَنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ، وَتُحْضِرَهُ فَهْمَكَ، وتُزَكِّي لَهُ قَلْبَكَ، وتُجَلِّي لَهُ بَصَرَكَ؛ بتَرْكِ اللّذَّاتِ، وَنقْص الشّهَوَاتِ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ فِيمَا أَلقَى إلَيْكَ رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيَكَ مِنْ أَهْلِ الْـجَهْلِ، فَلَزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنْهُ إلَيْهِمْ، ولا تَخُنْهُ فِي تَأْدِيَةِ رِسَالَتِهِ، وَالْقِيَامِ بهَا عَنْهُ إذا تَقَلَّدْتَهَا. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله».[3]
هل يعي الطالب هذه الحقيقة، وهو يقف أمام قمّة من القمم الباسقة، والتي تعجز الأقلام مهما دوّنت عن إيفاء حقّه، ولكن يكفيه فخراً أن المولى زين العابدين (صلوات الله عليه) قد خصّه في هذه الرسالة الرائعة، ونشير باختصار شديد إلى بعض ما جاء فيها لعلّنا نقتدي بها وتكون جزءاً من سلوكياتنا:
1- التعظيم والتوقير: هما أمران نفسيان ينبعان أساساً من الروح، فإذا عظّم الطالب أستاذه ووقّره في قلبه انعكس ذلك على أفعاله وسلوكياته، وهذان هما الأساس لما بعدها من حقوق المعلّم.
2- الاستماع والإقبال: فإذا حدث التعظيم والتوقير، صار الاستماع والإقبال من التوابع، إذ لا يتأتى ذلك إلا بالإقبال النفسي والوجداني، فيُقبِل الطالب بكلِّه على أستاذه ويستمع إليه بشغف، فلا يكون سامعاً فقط.
3- تفريغ الذهن: مما لا شك فيه أن الإنسان إذا ما أراد أن يدفع عن نفسه الجهل لابد له من إنارتها بالعلم، وهذا لا يأتي إلا بطلب العلم، بأن تفرّغ ذهنك وعقلك من الأفكار المشوّشة والأمور الجانبية،وأن تشحذ همّتك وتجعل أكبر همّك طلب العلم وارتقاء درجاته وانجاح مقاصدك.
4- تزكية النفس: من أهم عوامل النجاح وتحقيق الأهداف هو صفاء النفس عمّا يشغلها من مكدرات الدنيا وملهياتها، التي تكون حاجباً مانعاً من تلقي العلوم، فالمرآة التي يعلوها الغبار لا تعكس الضوء إلا بنسبة ضئيلة جداً، وقد ينعدم.
5- إيصال العلم إلى مَن جهله: وصف المعلم بأنه (رسول)؛ تعبير رائع جداً ويختصر الكثير، فالرسول من طبيعته أن يؤدي الرسالة بحذافيرها عمّن أرسله وبكل أمانه، حينئذ يكون الطالب كالمرآة لأستاذه، لكشف ظلمة الجهل ويبددها بما أفاض عليه معلّمه لمن هو بحاجة إلى التبصرة، وإذا ما شاءت الأقدار ووقف التلميذ موقف أستاذه يوماً، عليه أن يؤدّيها بصدق ووفاء، لتستمر الشجرة المونقة بأزهارها، اليانعة بثمارها، فيفخر كلٌّ بصاحبه
ومن الجدير بالذكر أنه ليس بالضرورة أن يكون الطالب معلّماً في المستقبل لتأدية الرسالة! إذ يمكن لكلِّ أحد أن يؤديها وكل من موقعه ومحل عمله.
[1] - سورة الزمر: الآية 9
[2] - سورة الكهف: الآية 66
[3] - رسالة الحقوق(حق المعلم)