اكتفاء أغلب الباحثين بتشخيص الظواهر الاجتماعية السلبية بأنها انحرافات اخلاقية أو سلوكية، وينتهي الموضوع لحد هذا التبيين وكأن المسألة متعلقة بهذا التشخيص الفقير... طيب من الذي سيبحث في اسبابها العميقة، وفي تفسير الظاهرة علميا في فهم وادراك الظواهر الاجتماعية من خلال البحوث العلمية والتحليلية القائمة على الحقائق والبراهين والارقام... ويكتفي الباحثون بهذه التشخيصات إلا إذا ارادوا ان يتعبوا أنفسهم فسيطلقون شيئا من الوعظ والارشاد والنصيحة مستندين على تشخيصاتهم الظاهرة...
الآن اصبحنا لانمتلك سوى التشخيص الظاهري الساذج، هذا كل ما لدينا. ومن اولى اخطاء هذا التشخيص انها تعزل الظاهرة عن السياق الاجتماعي، ففي حقيقة الأمر ان العلاقات الاجتماعية مهمة جدا وعند تفكك تلك العلاقات تصبح المصالح الفردية أكبر من سواها؛ فجنوح الاحداث لايوصف بأنه قضية اخلاقية دون النظر الى سياقها الاجتماعي والتاريخي، وعلاقة الاحداث بالاسرة والمجتمع.
وبطبيعة الحال لا احد ينكر الدور التشخيصي والوعظي وما له من الأهمية؛ لكن هذا الجانب لا يستطيع أن يعالج الظواهرالاجتماعية ذات المنابت المتعددة... فالأخطاء الانسانية التي لم تتحول الى ظاهرة من الممكن ان تؤثر فيها المواعظ تأثرا مباشرا.
اما تلك التي تجذرت الى ظاهرة من غير الممكن ان تحل بنصيحة بل المسألة تصبح اكبر وتحتاج الى حل اكبر اهمية. الانسان لايستبطن الجوانب الاخلاقية بل معها نوازع وحوافز شتى تؤثر على مسيرة الانسان وقناعاته الفكرية ومواقفه السلوكية... ونحن نكتفي بتشخيصها انحرافا اخلاقيا!!
نحن اليوم مطالبون برصد الظواهر الاجتماعية وقراءتها معتمدين على منهجية علمية بأساليب ملائمة لسبر اغوارها واكتشاف آلياتها واسباب نموها، وعوامل ضمورها، ومنهجية علاجها، وتجاوز اثارها المتنوعة.