ترك ابنه الصغير، بعدما اتفق مع زوجته على السفر لمدة عشرين عاما، واذا زادت المدة يوما واحدا، فالزوجة في حل من زوجها.
وفي طريق العودة تعرف على شابين معهما ابوهما، وهو رجل عجوز دائم الضحك فسألهما:- لماذا يضحك هكذا؟
أجاب الشابان:- انه يعرف لغة الطيور، وينصت إلى نقاشها المسلي، والمرح، ولا يتكلم إلا إذا اعطيته قطعة نقدية عن كل جملة...
قال العجوز في القطعة الذهبية الاولى:- لا تدخل في النهر العاصف وصمت، وسأل الرجل نفسه: يا ترى ماذا سيقول لي لو أعطيته القطعة الثانية..؟؟؟
فقال العجوز في الثانية:- في الوقت الذي ترى فيه نسورا تحوم، اذهب واعرف ما الذي يجري وصمت.
وقال عند القطعة الذهبية الثالثة: قبل أن تقدم على فعل أي شيء، عد في عقلك حتى خمسة وعشرين وصمت، ثم ودعوا بعضهم وافترقوا.
وفي الطريق وصل إلى حافة نهر، وكان النهر يعصف، ويجر في تياره الأغصان والأشجار، وتذكر الرجل أول نصيحة أعطاها العجوز له، ولم يحاول دخول النهر، جلس على ضفة النهر، واخرج من حقيبته خبزا، وبدأ يأكل، وفي هذه اللحظات سمع صوتا، وما أن التفت حتى رأى فارسا، وحصانا ابيض، قال الفارس:- لماذا لا تعبر النهر؟
انظر إليّ كيف سأعبر هذا النهر البسيط، وما إن دخل الحصان النهر، حتى جرفه التيار مع فارسه، كانت الدوامات تدور بهم، وغرق الفارس،
أما الحصان فقد تابع السباحة من حيث نزل، امسك الرجل الحصان، وركبه، وبدأ البحث عن جسر للعبور، ولما كان يمر بالقرب من شجيرات كثيفة، رأى ثلاثة نسور كبيرة، تحوم، فتذكر الوصية الثانية، نزل عن الحصان، واختفى بين الأشجار، وهناك رأى ثلاث جثث هامدة، وبالقرب من الجثث حقيبة من الجلد، ولما فتحها كانت مليئة بالقطع الذهبية، كانت الجثث لقطاع طرق سرقوا في أثناء الليل احد المارة، ثم جاؤوا إلى هنا ليتقاسموا الغنيمة فيما بينهم، ولكنهم اختلفوا في الأمر، وقتلوا بعضهم بعضا بالمسدسات، اخذ الرجل النقود ووضع على جنبه احد المسدسات، وتابع سيره.
وفي المساء وصل إلى بيته، كان الشباك مفتوحا، والغرفة مضاءة، نظر من الشباك فرأى طاولة وسط الغرفة، وقد غطتها المأكولات، وجلس إليها اثنان الزوجة، ورجل لم يعرفه، وكان ظهره للشباك، فارتعد من هول المفاجأة، وقال في نفسه:- أيتها الخائنة لقد أقسمت لي بأن لا تتزوجي غيري، وتنتظريني حتى أعود، والآن تعيشين في بيتي، وتخونيني مع رجل آخر...؟؟؟
امسك على قبضة مسدسه، وصوب داخل البيت، ولكنه تذكر نصيحة العجوز الثالثة، أن يعد حتى خمسة وعشرين، وبدأ بالعد واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة... وفي هذه الأثناء، كان الفتى يتحدث مع الزوجة، ويقول:- يا والدتي سأذهب غدا في هذا العالم الواسع، لأبحث عن والدي، فمن الصعب أن أعيش بدونه يا أمي.
ندم الرجل وقال في نفسه:- لو لم اعد حتى خمسة وعشرين، لجلبت لنفسي مصيبة اظل اتعذب من جرائها ابد الدهر، وصاح من الشباك:- يا ولدي... يا زوجتي... اخرجا واستقبلا الضيف الذي طالما انتظرتمـــاه.