لاشك أن حصر قضية الزهراء عليها السلام في محددات الغضب وحده أو جعل الامر الفاطمي ووجوده ينحصر في قضية (فدك) وواردات فدك وحدها يعطينا الافتقار الواضح لتوصيفات أضعفتها التأملات العاطفية.. وحين يكون التأمل فقيراً في جرح المآساة سيعطينا نتائج ضيقة
بينما ينظرون إلى قضية فدك على انها تعني دلالات التمويل الثوري..
لكن لو نسأل اليوم ماعلاقة فدك بالوصية التي أنكروها على سيد الاوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام) سنجد أن علاقة المسألتين تتوضح في الحصار التدويني وحرق الكتب و الوصايا والاحاديث النبوية الشريفة ليتم تشييد(نبي) يحمل سماتهم ويصوغونه بأسم النبي الكريم ويشيدون رسالة بإسم الاسلام.. وما قضية التمويه إلا من اجل خنق المفاهيم الاساسية للثورة الفاطمية.. والحط من عظمة هذه الثورة من خلال تحديدها بالنطاق المادي.. ومن ثم محاولات التهوين من قيمها ..لمعرفة السلطويين بأن الامتداد الزمني ليس لمصالحهم.
الورقة الثانية
تتشكل في كل ذاكرة متأملة في التاريخ مديات البناء الحدثي لقضية الثورة الفاطمية فيتصور البعض انها تعني احداثا وشخوصاً.. بينما ملامح العملية كانت معلومة في نبوءات النبي الكريم.(ص) لأن مثل هذه الوقائع الكبيرة لا يمكن أن تمر دون ممهدات تفرز الكثير من السمات التي تعطي موجهات مستقبلية لكون مثل هذه الملامح والصور كانت واضحة المعالم..
يروي بعض المؤرخين أن الرسول (ص) أخبر أهل بيته بأن الأمة ستغدر بهم وأن المنافقين سيظهرون ضغائنهم من بعده وينتقمون من النبي من بضعته فالانتقام من الزهراء هو انتقام من النبي (ص) وإنما بقاء البضعة في هذه الأمة هواختبار لها ليظهر ما في ضمائر الناس.
الورقة الثالثة
مظلومية الزهراء عليها السلام أسقطت أقنعة الزيف.. وفضحت الوسائل المعتمدة في ثقافة الارهاب تلك ثقافة أصبحت مرتكزا لغفلة طويلة الامد.. حاربوا فيها يقظة هذه الامة..
وانكشف الموقف عن قيمة تحريفية أمتهنها الخلفاء و القادة و المشايخ فبعد خنق التدوين بدأت مرحلة التحريف لتصبح كل هذه الحقائق معبأة في يافطة مصطلح جديد(أوهام الشيعة) و(بدع الشيعة) فالغدير من وضع الشيعة.. والوصية.. والإمامة.. والضلع المكسور وحرق باب أشرف بيت.. ونفي الصحابة الأجلاء من اصحاب امير المؤمنين والذين رفضوا ان يسايروا التيار المنحرف عن خط الرسالة المحمدية المباركة فمظلومية الزهراءكشفت جينات الارهاب و التحريف وعرق الدسائس والقبليات الظالمة.. وإلا فليتأمل المتأمل أن من أعظم المصائب التي مرت هي الابتكار التحريفي (نحن معاشر الانبياء لانورث)إبتداءً ومنها ولدت جريمة تكذيب الزهراء التي هي من أعظم الجرائم ومطالبة الزهراء بالبينة ورفض شهادة علي أبن أبي طالب (عليه السلام) بحجة رفض شهادة الواحد و الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قبل بشهادة الواحد وهو خزيمة ذو الشهادتين.. وقضى بشهادة واحد بشهادة عبد الله بن عمر والخليفة نفسه فعلها حين قبل بشهادة جابر بن عبد الله الانصاري.حين اخبرهم بان النبي(ص) وعده بهدية وهي غرف غرفتين من اموال البحرين في اول قدومها
السؤال الذي يدور في الاذهان الان لولا مظلومية الزهراء وصرختها.. إلى أي مدى كان من الممكن أن يصل التحريف بالتأكيد لقالوا أن ظهور النبي بدعة من بدع الشيعة.
الورقة الرابعة
التواريخ فخاخ شديدة التمويه- فله قدرة على صياغة توجيه الحاضر.. وعلى تشكيل نسق ثقافي يتحكم بمراثي المستقبل يقول ابن تيمية: كثير من الناس دفنوا ليلاً وهذه وصية فاطمة أن لا يخبر أحداً ممن آذاها
وينقل لنا الحافظ ابن حجر العسقلاني عن مالك بن أنس جده:يقول على أساس أن الرواية عن الأمام الصادق(ع) يرويها عن الأمام الباقر(ع) عن جده: توفيت فاطمة ليلاً فجاء الخليفتين وجماعة كثيرة فقال الأول لعلي (ع)- تقدم فصل- قال لا..لا.. والله تقدمت وأنت خليفة رسول الله فتقدم الأول وكبر أربعاً..
وهي التي تذكر معظم المصادربأنها ماتت واجدة على الخليفة وتنص بعض هذه الصحاح أن الزهراء ماتت بلا إمام؟ ولم تعرف إمام زمانها؟ ابنة محمد ماتت ميتة جاهلية وهي التي قال عنها الرسول (أن الله يغضب لغضب فاطمة) ويقول أحد المعتوهين في التاريخ أن صلاة الميت شأن من شؤون الخليفة ويعني أنها ماتت دون صلاة وهل في ذلك تجاوز على النبي(ص) وأهل بيته أكبر من هذا الذي حصل في التاريخ.
الورقة الخامسة:
يحاول بعض رواة التاريخ التركيز على الفهم التبسيطي الساذج للواقع التاريخي وهذا التبسيط نوع من انواع الألغاء والتهميش فترى البعض من المصادر يمر على الأخبار كلمة عابرة- مثل احراق بيت فاطمة- وكأن المسألة انتهت وفي الحقيقة مثل هذا الواقع المأساوي لا ينسجم ما يفترض ممن يدعون صحابة الرسول وخلفائه فكيف يتجرؤون لحرق دار محمد نبيهم واعتقد أن تفتيتات السرد المستخدمة في عرض هذه الواقعة أبعدت الواقعية عن تأويل الحدث الواقعي فتصل الحرق كان هناك الهذيد وهناك الفوارق النصية المطلقة بين رواتهم لتخفيف وطأة الجراح.
لكنه جاء بفتيلة- ومن ثم جاء بحطب- والمهم هو حضر من أجل هذه المهمة- فهل يتصور هؤلاء الذين يبتعدون عن التصريح بالحقيقة أن يحملون مبدأ(الانسجام) وفق التصورات وامتداداتها- وهناك بين طيّات الأحداث ما تسمى(بالبنى الدالة) وما حاجتنا لمثل هذا البني مادام هنا تصريحات دالة- قالت فاطمة الزهراء أوجئت لتحرق دارنا- قال نعم- اوتدخلوا ما دخلت فيه الأمة.
الورقة السادسة
تنطلق مضامين التاريخ الفاطمي بهذا اليقين الذي منحنا الإرادة الشامخة والكثير من الدعائم التي حصنتنا من التشتت والسير خلف الطاعنين بمصداقية التاريخ الفاطمي الذي فضح كل أساليب الجناة.
نعم إبنة الرسول (ص) أسقطت جنيناً بسبب عصرة الباب، وهذا الحدث سيأخذ منا عدة إتجاهات فالبعض يطالبنا بالدليل، فتشريح النص التاريخي سيأخذنا الى معالم الجريمة، فالنظّام ابراهيم بن سيار المعتزلي يقول إن الخليفة الثاني ضرب فاطمة حتى ألقت جنينها، وهو يصرخ أحرقوا الدار بمن فيها والشهرستاني في الملل والنحل والصفدي في الوافي بالوفيات فنرى أن معاصرة التاريخ للتأثيرات السلطوية قد تأخذ منها أشياءً جوهرية- لكن نشاط هذا التاريخ سيترك الحيز الكبير لتنشيط المفهوم التحليلي والمتابعة والدخول بين الثغرات النصية..
فالسلطة غيّرت معنى كتاب المعارف وحرّفت ماقال ابن شهر آشوب أن موت محسن كان بسبب زخم قنفذ العدوي ليصبح في الطبقة الجديدة أما محسن بن علي فهلك وهو صغيروتذكرة الخواص للسبط الجوزي يدون(مات طفلاً) البدخشاني.. يذكر بأنه مات صغيراً يقول ابن الحديد- قال شيخي أن النبي(ص) أهدر دم هبار بن الأسود لأنه روع زينب بنت الرسول(ص) فالقت مافي بطنها ثم قال شيخي.. لا بد أنه لو حضر ترويع القوم لفاطمة الزهراء.. واسقاط ما في بطنها لحكم بإهدار دم من فعل ذلك- نجد أن هذا الاستنتاج يعادل جميع ما كتبوا وما حرفوه وما سيحرفون.
الورقة السابعة
الموقف الفاطمي كشف عن ماهو مسكوت عنه من تجاوزات وقد عالج الموقف الرافض لالغاء الحدود الدور القيادي عن اهل بيت النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) والمتمثلة بشخصية علي(عليه السلام) وقضية فدك وحرق الدار وكسر الضلع كلها أمور حملت سمات الجرح العربي الاسلامي.. يقول بعض التائهين بان قضية الزهراء أستخدمت لتفريق وتمزيق الامة الاسلامية.. ويبدو أن من أقسى الامور على التاريخ هي مواجهتها بما تخفيه والادهى والامرّ تعريتها بلا مواربة أمام الاخرين..
كيف تفرق الامة(سيدة نساء هذه الامة) وسيدة نساء المؤمنين وهذا ما دونه صحيح البخاري من كتاب بدء الخلق وفي مسند احمد وفي الخصائص للنسائي..وفي مسند أبي داود الطيالي.. وفي صحيح مسلم و المستدرك وصحيح الترمذي وصحيح أبن ماجة هل تفرق الائمة من قال الرسول(صلى الله عليه وسلم) في حقها(فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني) و(أنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها) أُقرجميع الصحاح
فاطمة الزهراء هي اول من وحد الامة الاسلام بعد النبي(صلى الله عليه وسلم) وشذبها من متعلقات النفاق حيث أشارت عليها السلام في خطبتها التي القتها في المسجد(الحمد لله الذي جعل أمامتنا أماناً من الفرقة..) ولذلك هي الان بيننا مسعى من أفضل المساعي الوحدوية لو عرفنا السبيل.
الورقة الثامنة
تتمحور جميع النداءات المستحدثة من مصطلحات وشعارات وثقافات وعناوين لابد ان تنصهر في بودقة التاريخ ونحن اليوم اصبحنا نسمع بكلمة المقاومة والموقف المقاوم والادب المقاوم فلو ادركنا ما تعرضت له الزهراء لأخذنا القضية ليس بمعنى الاختلاف كما يتوهمه البعض بل بموقف الثبات وبهذا كانت الزهراء اول مقاومة ضد معنى الاحتلال وقفت وأهل بيتها لتعرض حياتها للخطر من اجل الحفاظ على روح الاسلام
لما اجمع القوم على آذاها عرفت انها البداية ولابد ان تقبل في لمة من حفدتها ونساء قومها لتدخل على اهل السقيفة فتجلس والقوم اجهشوا بالبكاء، فسكت نشيج القوم ليهدر نشيج الضمائر، وما نجم عن السقيفة أدى الى العنف والشدة والهجوم على الدار وغصب فدك واهمال تام للبناء العقائدي فجاءت صرختها صرخة حق بقيت مدوية لتعلن عن روح المقاومة السلمية والاحتجاج الواعي(وانطلق كاظم الغاوين ونبع خامل الاقلين) (وانتم الان تزعمون ان لا ارث لي افحكم الجاهلية تبغون.. ياابن ابي.. افي كتاب الله ان ترث اباك ولا ارث ابي.. لقد جئت شيئا فريا)
الورقة التاسعة
أن أي أتجاه فكري يدخل في مسعى الاحتواء التاريخي لابد أن ينظر إلى مسألة إخفاء قبر الزهراء عليها السلام بأبعاد لها شمولية النظر في جميع الجوانب الفكرية والاجتماعية والسياسية.. وعملية التخفي عجّل معنى المظلومية كما يقولون ليطل على التاريخ..
لكن الكثير من عمليات القراءة ترفل بها الاجيال وتفتح مداركها على أسئلة كثيرة هل التغييب كان فعلا شخصيا غاضبا أم كان أمرا ربانيا.. لو ننظر الان إلى غياب الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف هل هو غياب أم حضور هذا الغياب فينا وهو لا يحمل قبرا لكونه يعيش فينا ويتنفس فينا.
فترى إن هذه الجراح الفاطمية كانت معين حياة تزدهر وسط مشاريع الموت القسري فتبعث الحياة..
لتصير هي الحياة.
شاء الله تعالى أن يصهر فيها حياتها وحياة رسول الله والائمة ولدها..
وأن تكون حاضرة فينا بهذه الجراح إلى يوم الدين.
أعجبني
تعليق