بالأمس كانوا يلعبون ويقفزون ويمرحون ويحلمون أن يكبروا، واليوم هم عند نقطة البداية التي أرادوا، ستطأ أرواحهم النقية عتبة التكليف بكل أمل وافتخار، وسيرمقون مرحلة الطفولة بنظرة وداع فقد حان الوقت ليدخلوا مرحلة أخرى مليئة بالعطاء والعمل والازدهار.
يا أولادي، يا ثمار حياتي، مبارك لكم تكليفكم، ومسددة على طريق الهدى خطواتكم، فقبل الآن لم يفتح سجل أعمالكم، أما اليوم فحالي حالكم، كلانا نتنافس ونتسابق في الخيرات، ونسعى لملئ صحائف الأعمال بالحسنات، وبات يمكنكم الترقي والعروج وبلوغ أوج السمو والكمالات، إنه سن التكليف، وربما يجدر بنا أن نطلق عليه سن الاكرام والتشريف.
مرحلة يتلقى فيها أولادنا دعوة الحضور لموائد الكرم الإلهية، والنهل من نمير الألطاف والهبات الربانية، مرحلة عمرية تبدأ بطيهم لسنوات الطفولة البهية وحدوث بعض التغيرات الجسدية المذكورة في الكتب الفقهية، أو إتمام الذكر منهم لخمسة عشر عاما والفتاة لتسع سنوات هلالية، فهنا يتشرف أولادنا بتلقي الخطاب الإلهي ويكلفون بالامتثال للأوامر واجتناب النواهي وتحمل المسؤولية.
ولا بد من إدراك أن مسؤوليتنا كمربين تتمثل في إعداد أولادنا لهذه المرحلة قبل حلولها، وتهيأة نفوسهم لحسن استقبالها، فنحملهم منذ الصغر على طاعة الله تبارك وتعالى وتعظيم أمره، وندربهم بالتدريج على إتقان عبادته والخضوع له، ونستثمر السنوات الذهبية من أعمارهم في غرس حبه سبحانه في نفوسهم ليتعلقوا به، ويتعاملوا مع كل أمر يردهم من زاوية حبه وشكره، فهنا نسهل عليهم الالتزام بالتكاليف الشرعية عند حلول وقتها، فمن الخطأ الجسيم الذي يقع فيه بعض الآباء والمربين هو ترك الأبناء بلا تعليم ولا تدريب حتى إذا جاء وقت التكليف فوجئوا به، ولم يطيقوا احتماله، فيقع الأبناء في فخ التضييع والاهمال، ويتحملوا تَبعات التقصير في العبادات والأعمال، حتى إذا كبروا وثابوا إلى رشدهم حاروا في قضاء ما عليهم، وتكفير سيئاتهم، وإصلاح الخلل في سجل حياتهم.
إن مستقبل أولادنا مرهون بحسن اعدادنا لهم بالشكل الذي يليق بهم، والذي يجعلهم أهلا لتحمل المسؤولية عند تكليفهم.
فألف مبارك لكل أب وأم ومربٍ أدركوا عظيم دورهم، ونهضوا لأداء مسؤولياتهم، ووضعوا بصمات إبداعهم في حياة أبنائهم.
هنيئا لمن وعى منهم قول الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق وطبق ما جاء فيها اذ يقول: "وَأَمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْكَ وَ مُضَافٌ إِلَيْكَ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا بِخَيْرِهِ وَ شَرِّهِ وَ أَنَّكَ مَسْئُولٌ عَمَّا وُلِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ وَ الدَّلَالَةِ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْمَعُونَةِ عَلَى طَاعَتِهِ فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُثَابٌ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ مُعَاقَبٌ عَلَى الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ..".
تعالوا لنعاهد إمامنا بأن نهتم بتكليف أبنائنا وبناتنا، ونعدهم لاستقباله أفضل إعداد، ويكون استعدادنا لتثبيت أقدامهم على الصراط خير استعداد.
تعالوا لنحتفل بيوم تكليفهم أجمل احتفال، ونجعله يوما مميزا في حياتهم لا يمكنهم نسيانه بأي حال من الأحوال، يوم نجتمع فيه مع الأحباب والأهل والأصدقاء، ونبين من خلال فقراته روعة العطاء للأبناء، نذكر بعض أحكام الإسلام، ونعطر الكلام ونطيبه بذكر محمد وآل بيته الكرام عليهم السلام، نقدم الهدايا لهم، وننشد الأناشيد الدينية التي تبهج أرواحهم، وتحفر ذكراه في سجل ذاكرتهم، وتجعله يوم عهدهم لخالقهم بحسن التزامهم بدينهم، وبداية انطلاقهم إلى رحاب طاعة المولى عز وجل وطيهم لطريق رضاه بمحض إرادتهم، ورغبتهم في أن تكون رحلتهم في عبوديته متألقة، وبألطاف عنايته موفقة، وبانتظار إمام زمانهم عامرة حتى تكون النتائج مباركة طيبة وبإذن الله تبارك وتعالى بهية ومشرقة