تويت
وطالما أوقعه الغضب في مواقف لا يحسد عليها.. دخل ذات يوم إلى بيته، وما إن جلس حتى سمع صوت تكسّر زجاج النافذة، فقام غاضبا، يتطاير الشرر من عينيه، وإذا بابنه احمد خائفاً مذعورا يرتعش أمامه، مدّ الحاج محمود حينها يده إلى اقرب شيء مؤذٍ، فوجد خشبة عتيقة، رفعها وراح يضرب الصبي المسكين، والطفل يحاول أن يتلقى الخشبة بيديه، ويصرخ، لابد شيئا ما يحدث، والأب يتجاهله، وظل يضرب والطفل يستغيث، ويا من يسكت غضب الحاج إذا غضب؟!! وقام بجر ابنه إلى فراشه، وبصق بوجهه، وذهب إلى غرفته لينام..
وفي اليوم الثاني، لاحظت الأم إن الابن يشكو من ألم شديد في يديه، نظرت إليهما، وإذا بهما زرقة غير طبيعية، وسرعان ما استنجدت بالأب لينظر لحال الولد.. اندهش الحاج محمود لهذه الزرقة الغير طبيعية التي في يديه، رقّ قلبه عليه، فحمله إلى المستشفى، ودموعه تسيل على خديه، وهناك جلس الحاج محمود أمام الطبيب، يلطم على رأسه دكتور ماذا تقول؟!!
فأعاد الطبيب القول: نعم يا حاج.. يبدو إن مسامير كبيرة كانت في الخشبة، لم ترها أنت، فثقبت كفي الولد، وأدت إلى تسممهما. فأما أن تـُبترا وإلا فالسم سيسري، ولا ينفع حينها، إلا بتر الذراعين، وإلا فالولد سيموت!! والمطلوب أن توقع على الموافقة لبتر الكفين؟!
كيف؟ يا دكتور.. كيف؟ يصيح الحاج، ولا مجال لغير ذلك، فوقـّع الحاج موافقا على بتر الكفين، ولم ينم طوال الليل، راح يبكي ويضرب على رأسه ندما، وامرأته تارة تهدئه:
(يالله حجي أنت لم تقصد أذيته)، وتارة توبّخه أشد توبيخ: كم قلت لك اترك فورة الغضب يا حاج، إن الحلم عند الغضب فضيلة، ولكن هكذا بشربة ماء سيضيع مني ولدي.. وعند انبلاج الفجر سمح الطبيب بزيارة مريضهم، دخل الأب ليرى الولد دون كفين، وهو خائف يتوسل: أقسم بالله بابا لم اعد أكسر شيئا فأعد لي يدي.. خرج الحاج راكضا من الردهة إلى باحة المستشفى، ملقيا بنفسه من الطابق العلوي، ليفقد الولد والبيت والعائلة والدنيا والدين، من أجل نافذة زجاجة، لا تكلف خسارتها إلا دنانير..
أعجبني
تعليق ٠ تعليق
اكتب تعليقًا...
نشط