ولاء قاسم العبادي
إنّ قوة الشيء في مواجهة الأخطار إنما تكمن في مدى قوة أساسه الذي بُنيَ عليه، ودين الإنسان أغلى ما يملك، فبه يُنَعّمُ في الدار الآخرة أو يهلك، لذا كان من أوجب الواجبات الاهتمام به وبناؤه على أساس رصين؛ ليغدو عصياً على الفتن وعند الشبهات قوياً.
وأساس الدين (معرفة الله تعالى وتوحيده)، وكل ما عداه من الأصول -فضلاً عن الفروع- إنما تُبنى عليه؛ فلأنه سبحانه لطيف بعباده فقد أرسل إليهم مَن يقرّبهم إلى طاعته ويجنّبهم معصيته، وهم الأنبياء (عليهم السلام) ومِن بعدهم الأئمة (عليهم السلام)، وهما (النبوة والإمامة)، ولأنه الكمال المطلق فهو عادلٌ لا يظلم، وهذا (العدل)، ولأنه كذلك كان اليوم الآخر ليثيب المطيعين ويعاقب العاصين، وهذا (المعاد)، فأصلُ التوحيدِ أساسُ الدين وأصلُ أصوله؛ ولذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أول الدين معرفته»[1].
وبالرغم من أنّ الدافع إلى معرفة الله تعالى أمرٌ فطري قد جُبِل عليه الإنسان في أعماق وجوده، إلا أن هناك دافعين آخرين يعضدانه ويُحتِّمان عليه عقلاً وجوب معرفته، وهما:
1- وجوب دفع الضرر: فقد اتفق العقلاء على أن دفع الإنسان الضررَ عن نفسه واجبٌ عقلاً، ويتأكد هذا الوجوب كلما عَظُمَ خطره وارتفع احتمال تحققه، وقد أكّد الصادقون من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) على وجود عالمٍ آخر أبديٍّ بعد هذا العالم، يُحاسَب فيه الناسُ جميعاً، فيُثاب مَن أطاع منهم بالجنة، ويُعاقب مَن عصى منهم بالنار، وهو خطر جسيم، واحتمال تحققه عظيم.
2- وجوب شكر المنعم: فقد اتفق العقلاء على أنّ لكل معلول علة، ونحن معلولون بلا شك، وأُنعِمَ علينا بنعمة العقل والخَلق الحسن والوجود، وغيرها من النعم العظيمة، وبما أن شكر المنعم واجبٌ عقلاً، فمن الواجب معرفة مَن أنعم علينا بهذه النعم؛ لشكره بما يناسب مقامه الجليل.
ومعرفته سبحانه أجل المعارف وأشرفها؛ لجلالة المعلوم وشرفيته، وهو الله سبحانه، وتتحقق:
أولاً: بالاعتقاد بوجوده؛ فهذا الكون الرحب وما يتميز به من خلق بديع ونظام دقيق دليلٌ على وجودِ خالقٍ مبدعٍ وصانعٍ مقتدرٍ، وهو سبحانه.
ثانياً: بالاعتقاد بنعوته وصفاته الجلالية والجمالية؛ لطاعته وحسن عبادته، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): «أول عبادة الله معرفته...»[2].
[1]- نهج البلاغة: 1/18
[2]- أمالي المفيد: 1/162
تعليق