، حتى أصبحنا لا نميّز ضحكة (أم صاحب) عن بكائها، فرحها، حزنها، وهي فعلا فرحة لقبول ابنتها فاطمة في بعثة دراسية، لتنال شهادة عليا، وحزينة بنفس الوقت، لفراقها وهي قلقة، كيف ستعيش ابنتها وحيدة غريبة في مدينة الضباب لندن..؟ ليس لديها سوى ان رفعت القرآن فوق رأسها: بنيتي لا تنسي ابدا قراءة القرآن، دائما اجعليه حصنك الحصين يا بنيتي.. واستطاعت فاطمة التعايش مع أجواء الغربة، حتى ألفتها.
وفي يوم كانت مدعوة لحفلة عائلية لعائلة عراقية، تعيش هناك، ولم تدرك حينها الوقت، وقد تجاوز منتصف الليل، والمنزل بعيد عنها، ولا مجال للمبيت. فقررت فاطمة ان تسلك طريق القطار، وعندما نزلت الى المحطة تحت الارض، استعرضت مع نفسها الحوادث التي سمعتها عن جرائم القتل التي تحدث في تلك المحطات، وخاصة بعد انتصاف الليل، فما ان دخلت صالة الانتظار، حتى وجدتها خالية من الناس الا من رجل واحد نظرت اليه، خافت منه، فاستجمعت قواها، وقرأت لحظتها آيات من القرآن الكريم، وظلت تمشي وتقرأ، حتى مشت من خلفه، ثم ركبت القطار وذهبت الى بيتها.
في اليوم التالي كان الخبر الذي صدمها حين قرأت في الجريدة عن جريمة قتل فتاة حدثت في نفس المحطة، وبعد خمس دقائق من وجودها هناك، وقد قبض على القاتل. ذهبت فاطمة الى الشرطة، وقيدت شهادتها، وتعرفت على القاتل فعرفها، وقال: هذه الفتاة اعرفها، اردت ان اقتلها، لكنها كانت بحماية رجلين ضخمين، كانا يسيران خلفها.