من دون نساء العالم كانت هذه المرأة العجوز مدار حديثنا نحن الصغار ليل نهار.. كنا نحبها كثيرا ولا نعرف عنها سوى ما تروي لنا امهاتنا، كانت وحيدة ليس لها احد رغم ان الجميع يناديها (أم علي) يقول أحد الصغار: رأيتها يوما في السوق فقد ظنـّها احد الرجال متسولة أعطاها درهما، رفضته بعد ان ابتسمت في وجهه وقالت له: الله يكثـِّر خيرك فأنا امرأة غنية والحمد لله.. لكنها في الحقيقة كانت أمراة فقيرة لامُعيل لها!! وكنا نرى امهاتنا يحملن تحت عباءاتهن طعامها اليومي ولا يتركن دارها ساعة دون زيارتها، وذات يوم مرضت (أم علي) فدار نفير عام عندها نساء يدخلن ونساء يخرجن حتى امتلأت الدار بالنسوة للاطمئنان على صحتها ويبدين استعدادهن لعلاجها واخذها الى الطبيب، ولكن طال بها المرض حتى اصبح حديث البيوت: كيف بنا اذا ماتت هذه المرأة الوحيدة مَنْ يغسِّلها ومَنْ يدفنها ومَنْ يقيم لها المأتم المناسب بورعها على الاقل؟ وفي ضحى احد الايام الصيفية الحارة وبعد ان انصرف الرجال الى اعمالهم ومحلاتهم سمعنا خبر وفاتها وإنّا لله وإنا إليه راجعون، وكان الجو حار لايسمح بانتظار عودة الرجال من اعمالهم ومَنْ الذي سيبلِّغ جميع الرجال ومحلاتهم متباعدة عن بعضها؟ وهل فعلا سيتركون اعمالهم وارتباطهم ويأتون عجالاً ليدفنوا هذه المرأة الغريبة؟ وبينما نحن الصغار نستعد لهذه المهمة الصعبة حدثت المفاجأة التي اذهلتنا قبل سوانا إذ دخلت سيارة كبيرة في فروعنا الضيقة فيها اربعة شبان وعليها تابوت خشبي سرعان ما ترجلوا وحملوا جثمانها الى المغتسل، وبعدها التحق الرجال بهم لمواراتها في مثواها الأخير، واقاموا لها مأتما كبيرا في مسجد المحلة لمدة ثلاثة ايام، مَنْ هؤلاء الشبان؟ ومن اين جاءوا؟ لاأحد يعرف عنهم شيئا!!! حتى تبـيّـَن اخيرا ان احدا ما قد اتصل بهم واخبرهم بوفاة جـدتهم.
(ام علي !!!) وحين وصلوا كربلاء عرفوا ان جدتهم سالمة وان جارتها (أم علي) الوحيدة الفقيرة هي المتوفاة!! لذلك قرروا القيام بواجبها عوضا عن جدتهم التي دفعتهم الى هذا المعروف الانساني الكبير.. ياسبحان الله وما ان اتموا مراسيم الفاتحة حتى فارقت جدتهم الحقيقية الحياة!! فتكفل احفادها الشباب بحمل جنازة جدتهم مع اهل المحلة الى مثواها الاخير بكل وقار ومهابة واحترام.
تعليق