السيد صباح الصافي
رُوي عن الإمام علي (عليه السلام) يوصي ولده الإمام الحسن (عليه السلام):«... وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ المَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي» [1] الوجود المادي للإنسان يتحقق عن طريق ولده، وهذا الشعور والإحساس هو الدافع الأساس لتحمل المشقّة من قبل الوالدين؛ ولولا هذا الشعور؛ لانقطع النسل الإنساني.
وحتَّى الوجود المعنوي والعملي يدخل الولد فيه كأحد أركانه المهمة، بل كلُّ الأعمال الصالحة التي يقوم بها الابن للوالدين حظٌّ من ذلك؛ لأنه جزء منهما، وهذه الحقيقة أثبتها أميرُ المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي»، لذا سنقف عند حقيقتين من حقائق هذه الدرّة العلوية:الحقيقة الأولى: إنَّ الولد من بعض الإنسان؛ لأنه جزء من دمه، ينقلب ماءً، ثم ولداً، وبعبارة أخرى: تشكّل أجزاء الولد من بدن والديه، فالاهتمام بالولد اهتمامٌ بالنفس، وبناء الابن يعني بناء النفس، وتضييعه تضييع للنفس؛ كذلك يمثّل امتداد الولد امتداداً ووجوداً للوالد وتكراراً لوجوده.
وفي الوقت نفسه، إنَّ الممثل الحقيقي للوالد هو ولده؛ لذا ينبغي الاهتمام بالسمعة الطيبة التي تركها الوالد والحفاظ عليها، وزيادتها إذا كان ذلك ممكناً، إضافة إلى ذلك فهذه الفقرة تبيِّن شدّة الاتصال بالولد، وقربه منه، ومحبته إياه.
الحقيقة الثانية: حينما يكون الإنسان جزءاً من والده، فإنَّ الوالد يتألم لولده ويشعر بآلامه، وكأنَّ الموت إذا أصاب ولده أصابه، وهذه عاطفة يشعر كلُّ والد تجاه ولده.
ولذلك لو وجدنا أحياناً أنَّ الأب يغضب على ولده ويرفع صوته؛ فذلك لأنَّه يحبه ويهتم بوجوده، ولكن بعض الأفراد يخطئون في تقييم الشعور، ويتصورون أنَّ الوالد يكره أولاده.
إنَّ الولد قرة العين وفلذة الكبد، ولعلَّ بعض الشباب أو بعض الأبناء لا يشعرون بقيمة هذا الكلام إلّا بعد أن يتزوجوا ويصبح لديهم أولاد، وهناك سيتذكرون الأفعال والأقوال التي كانوا يسمعونها ويرونها من الوالد، وعند ذلك يعرفون سرَّ ذلك الاهتمام والتركيز.
[1]- نهج البلاغة: الرسالة 31
تعليق