****
( علي حسين الخباز)
رابية أولى ..
(السؤال)
في مرآب محافظة ميسان راح يتأمل الناس ....المحلات .... الشوارع .. حيوية الصخب العام التي هي جزء من هوية المكان ، ورغم هذا استطاع (محمد السعدي ) أنْ يقرأ عوالم الصمت الخجولة الكامنة في أحشاء هذا اللغو اليومي .. ، فيسأل نفسه كيف لمدينة بهذا الصمت ان تنتفض ؟ .. توهج الجواب في معايشة ناسها ليُؤمِن تماما أنّ هذه المدينة لاتقلق أبدا ... عاشرت الحرب حد ألفتها .حلمت أن تثور ضد كيان ظالم حكم لأكثر من عشرين عاما ...والانتفاضة مسألة أكبر من حرب ... سأله احدهم وهو يدس اللقمة في فمه ..
:ـ هل كنت هناك ؟
:ـ أين ؟
:ـ في البصرة ؟
:ـ نعم كنت هناك ... وقد أستولى رجال الانتفاضة على جسر القرنة وقطعوا الطريق
:ـ الأنتفاضة ـ ؟
قالها وملامح الظمأ واضحة على محياه لكونها تشكل جزءا من أحلامه وأحلام كل عراقي .. جاءت اللفظة مصحوبة بدهشة التجاوز الجريئة .. والحقيقة أن الواقع أقرب... له حكمة تقول مهما طال أمدُ الليل لابد من متسع للفرح ،.... لهذا صار للبهجة طعم آخر... يا إلهي ...أخيرا سنثور .. سنغير حكم الطغاة ..
:ـ ...هل ستفعل الانتفاضة ما عجزت عنه الحرب؟
من الصعب التخمين بشيء . صحيح أن واقع الانكسار ومرارة الهزيمة على عتبات الحرب لمضّت العراقي وجعلته يقول أشياء جديدة لم يعهدها الشارع من قبل .... فقال وهو يتأمل وجه من حوله
:ـ ساحاول ثانية عساني أدخل البصرة .. الحرب لم تقدر أن تكبل خطواتي هل ستكبلها الانتفاضة ..وأنت ؟
:ـ لابد لي أن أدخلها
: ـ ... هناك سألتقي بإخوتي في منطقة حمدان ...
هل عندك سيارة ؟
:ـ نعم وسأدخل من مدينة الدير
:ـ سأتي معك
الحلم الذي كان يكابده أكبر من البوح إذ كان يتمنى انطلاقة مثل هذه الانتفاضة من كربلاء .. من مدينة الرفض المقدس ..
وذخيرة الثورات .. ممولة كل انتفاضة تثور ضد الجور ..ليتربط جذرها بالمعنى الروحي لواقعة الطف الخالدة ، لكن وجود الواقع الذي يكشف عن فاعلية الجنوب سيترك له المجال الكافي في البصرة عسى أن يلتقي بالمنتفضين ليجد أجوبة مقنعة للكثير من الاسئلة التي بدأت تكبر معه
همس العسكري الذي يقاسمه المقعد دون معرفة مسبقة ودون مقدمات تمهيدية
:ـ إذا دعاك المنتفضون للمشاركة هل ستفعل ؟
:ـ طبعا لا
... سأل حينها الصحيب بشيء من الدهشة والأ نكسار ..
:ـ لِمَ ؟
:ـ لأن كربلاء أولى بي ... وأنت؟
:ـ سأشارك طبعا ، أينما أذهب فأنا أرى العراق .....
القضية أكبر من نقاش عابر في طريق مسافر ولعابرين إجتمعا دون موعد .. لابد أن يضع أمام عينيه فوارق الوعي والتجربة واختلاف بؤر النظر الى المشكلة انطلاقا من خصوصية كل بيئة ,,
قال ...
:ـ علينا أن لانستعجل الأمر
:ـ ماالذي يمنعنا من السعي إلى الخلاص في وقت نحن بأشد الحاجة إليه .؟
برهة صمت راح يتأمل من خلالها وجه صاحبه ليستشف أبعاد شخصيته ..حيث أردف الصحيب قائلا
:ـ .ألا تخشى ضياع الفرصة ؟
أجابه بتوتر:
:ـ من الطبيعي جدا التفكير باستثمار مثل هذه الفرص التي قد لاتتكرر .هذا حق مشروع لكن القلق الحقيقي يكمن في معنى هذا الاستثمار وهويته الوطنية كي لانذهب إلى سراب ..
:ـ وما الضير اذا اتكأت الانتفاضة على الخارج المنتمي ؟ لماذا هذا القلق الذي لا مبرر له؟ وفي الخارج لنا أبناء وقيادات وهويات تفرعت من ذات الهوية ..خمسة مليون عراقي عندنا في الخارج أليس من حقهم أن يحلموا بتحرير بلدهم ..؟ هل صرنا نفكر كما يفكر الحكام الطغاة .؟..لنتحاور مثلما نريد ونعرض جميع الهواجس للتحاور بهدوء لكن يجب أن لانتنازل عن أحلامنا .... يجب أن لانترك المنتفضين لوحدهم دون نصرة
:ـ الوطن غالي يا أخي ومن حق الشعوب أن تقلق على مصيرها
:ـ الوجع وطن أيضا .. ألاوباش غيروا معاني الكثير من المفردات حتى أصبحت الطاعة تعني الإذلال
أجابه ..
:ـ العسكرة تكره الوعي ولذلك تعد الجيوش دائما من فئات عمرية خاصة وتباغت المقصد بحجة التحمل بينما الحقيقة هي أن أعمارنا غير صالحة للحروب ...ثقافة هذه الأعمار لاتصلح للتقاتل . وخاصة عند هذا الشعب الذي محصته المحن فصار يتمتع بثقافة شعبية عامة جعلت من الوعي سمة من سمات هذه ألامة
:ـ من الطبيعي أن تكون هواجسنا سلالم صحوة تأخذنا دائما الى سفوح التخمين المدرك ..
:ـ المهم عندي هو ..أن نناصر الانتفاضة ونجعلها محتوى للمكنون الشعبي ضد أي كلمة تحبط الهمة ..من أجل أن تكون بمستوى الطموح
:ـ الخلاص
وفجأة توقفت السيارة والتفت السائق ليقول بغضب
:ـ لقد قطعوا طريق الدير أيضا .