للشاعر الحسيني فراس الأسدي الكربلائي
تحمل القصيدة المولودية وجودها وانتماءها، وتكشف عن شعرية تمتاز بالسرعة وبالحركة، ويكمن فنها الحقيقي في قربها من المتلقي، ولاشك ان مثل هذه الحركة تكوّن فضاءات متنوعة، وكل فضاء له آلية عمل له خصوصية تكوينها الشعري.. والولوج الى مجموعة (الله يافاطمة) للشاعر الحسيني فراس الأسدي الكربلائي والتي هي مجموعة قصائد مولودية ولائية بصياغات متنوعة يعتمد بعضها على التناص الموروثي، بحضور الغائب المعرف من خلال الصورة التناصية:
(الباري بقدرته بلطفه اصطفاهه
يغضب لجلهه ويرضه الرضاهه
وفاطم تعلت ابذيچ الوجاهة
يا أم ابوهة شطلبت نطاهه
علاچ رب السمه * علاچ رب السمه * علاچ رب السمه)
ليتكون لدينا التكرار التوليدي الذي يشتغل بلازمة وزنية نغمية، ولنتأمل تحول الغائب الى مخاطب، ووجود اشتغالات أخرى تعمق هذا الحضور:
الاسم: فاطم
الكنية: أم ابوهه
اللقب: زهراء...
ومحاولة تقديم الأغلب بياءات النداء، كما نجد ضمائر متصلة ومنفصلة مكّنت الحضور:
( شماغبتي عني انتي الوديعه
ولو ما وجودچ اتضيگ الوسيعه
انتي أملنه وانتي الشفيعه)
ويسعى الشاعر فراس الأسدي للوثوب بشبابية شعرية، لكسر رتابة ونمطية السرد المعروض عبر اشعاعات المسكوت عنه... التضادات غير الظاهرة... تقابلات غير واضحة المعالم تحتاج الى امكانية التأمل:
(واللي يحبچ واجب يجازف
يرسلچ الشوگ مثل العواصف)
تلك المجازفة تعني ثمة تربصات مخيفة تكمن لمحب اهل البيت عليهم السلام ورغم كل ذلك يمر السلام كالعواصف. أو نجد تراثيات من خيالات الموروث الشعبي؛ إذ كانت الذاكرة العراقية تتوارى عند رؤية صورة العظماء على القمر:
(يلتنشد ضوه المختار وينه
طلعت بالگمر صورة نبينه)
فتصبح الاشتغالات بالموروث كجزء من عملية تعالق أزمنة وأمكنة وأحداث وأفكار وغايات لاتعني تكرارا لفعل أو حدث بل لخلق حالة مستمدة من ذات التكوين كاشتغالاته التناصية التضمينية لموروث يقيني يتضمن مفردات المعنى العام لحديث الكساء المشهور:
(حسين ابو السجاد من اجله انخلق دهري
لابحر يجري بدونه ولافلك يسري)
وهنا يضرب لنا الصورة التي عرضها لنا الشاعر والناقد والاعلامي الأستاذ عودة ضاحي التميمي في المقدمة الموجزة للمجموعة، ليعطينا انطباعا نقديا عن وعي الشاعر الثقافي في عنفوان الولاء، ثم يرينا أوجه الابداع التي تحملها المجموعة، وهذا اقرار واضح بتمكن الشاعر من ادواته الشعرية، وامتلاكه حسا مرهفا وتشخيصات نقدية تمنح الشاعر لونا خاصا وبصمة متميزة. والمسألة بطبيعة الحال لاتعني اطراءً بقدر ما هو تنبيه قراءة تشد انتباهنا بنسيج شعري يتحرك داخل البنية السردية لأسلوب صياغة منها العام ومنها الخاص، لاستباقية حدث عن موروث مقدس يوضح معالم القيامة، وموقف الزهراء؛ إذ يقدم المفتتح الاستباقي بفعل ماضي؛ وكأن العملية قد حصلت والراوي ينقل احادث ماضوية:
(وفاطم تقدمت بالمعشر اوله
وفضل الوديعة محد ينوله)
وأراه وكأنه يبحث عن المغامرة الشعرية، فهو يحاول جاهدا التركيز عبر محاولته احتواء موضوعة الشهداء الاربعة لأم البنين عليها السلام بثوب مولودي دون ان ينكأ الجرح وتوصيف تلك الجراح بالأنوار الوهاجة ومثل هذه الاشتغالات أجدها تمثل روح الشعر وتحرك أجواءه باتجاهات الابداع... لاسكون في القصيدة، كل شيء يتحرك والمنحى هادىء والقصيدة مولودية أي ذات عوالم بوحية ضيقة لكون الكلام مقتضب والايقاع سريع لايسع الانفتاح لاعطاء الفكرة بوضوح وتوسعة تترك مساحة للاشتغالات الشعرية من اجل تسويقها فنيا، ورغم كل ذلك الضيق استطاع التحرك بخطى واضحة رسمت بعض الشعرية هنا وهناك على شكل ومضات فنية ايحائية أو انزياحية او ملعوبة بأحد الأساليب المتنوعة:
(ومن طلگت أم الاربعة حياههه
جابت الكون وشورت ابعداهه)
تفصح مثل هذه الاشتغالات عن تواصلية محكمة تستوعب الذائقة المرسلة اليها، إذ يرى الشاعر الأسدي ان ذائقة المتلقي تميل الى الشعرية الالقائية أكثر من المنبرية التي يراها لا تتحمل الصور الشعرية، لكنها تواصلت لبساطتها والبساطة مفهوم شعري صعب المراس حاول التعامل معه بدقة وتأني؛ فلذلك نجده استخدم مفردات وجمل شعبية بعضها يصلح لاستخدامات الأمثال مثل (وعلى كل كلمة شهود) أو (كل بشر من نور وجهه تعرفه المن يميل) او لنقرأ (دنه نور الحره زينب نزل من المعهد السماء) أو لنقرأ البساطة في:
(انتي عطر الجنة منچ يبت حيدر ظل ايفور
ياسلام الله اعله اسمچ انخلق قبل النشور)
تعليق