حديث الشهداء لا يمل وإن تكرر، لكون مصدره الشغف، تلك حقيقة اكتشفتها أثناء لقائي بهم، وقف أحدهم يحدثنا عن كربلاء، ويسرد لنا شواهد ومشاهد حملتني إلى كربلاء في الذاكرة؛ إذ يقول: كان في المسجد الحسيني سرداب يهبط نحو عشر درجات إلى مكان مغطى بشبكة من الحديد يسمونه (المذبح)... همست في أذن جدي مستغرباً: عشر درجات؟! فأجابني الجد: لقد رفعها العمران يا بني، وهل تعرف أن هذا المكان هو المولد الحقيقي للمسيح عيسى بن مريم...
وبعدما أخذ الموضوع العديد من الجوانب المهمة في حياة كربلاء. ومن الطريف أن يحتفظ الشهداء بكل هذه التفاصيل المهمة في حياة كربلاء الاجتماعية والسياسية. عقب أحد الشهداء: تولى قصبة كربلاء منذ عام 1052هـ الأغوات أحمد عبد الله... وقاطعه الشيخ الوقور:
(بمصرنا ولي العتل *** ذاك الذي بالشقا تمسك
وساءنا حكمة فأرخ *** فرعون الطف قد تملك)
فعقب أحد الشهداء مبتسماً: إنها مؤرخة الشاعر السيد نصر الله الحائري، ليؤرخ بها تولية حسين أغا على كربلاء، وقد أرّخ لمن بعده أيضاً:
أحمد السياف مذ ولي في *** كربلا أضحى به الظلم ممزق
فأتى تاريخه (ربح به أحمد السياف جند الجور فرق)
فابتسمت في خاطري: يبدو لي أن هذا الشهيد كان يعمل في حياته مؤرّخاً أو ربما معلم تاريخ، فهو يحتفظ بالأسماء والتواريخ كأنها جزء منه في سنة 1212هـ كان حاكم كربلاء (مراد بك) لمدة ثلاث سنوات، وعمر أغا لمدة سنتين، وأمين أغا ترك لمدة عشر سنوات ومن عام 1234هـ حكم كربلاء فتح الله خان ثلاث سنوات، وعلي أفندي لفترة قصيرة، وكانت التولية في عام 1238هـ للسيد محمد علي السيد عباس، وبعدها بعام تولى سليمان أغا كتغدا، وفتح الله أغا الذي عُيّن بأمر من داوود باشا، وبعدها السيد عبد الوهاب بن محمد علي چلبي، والسيد حسين الوهاب وناب التولية أيضاً عبد اللطيف البكتاشي، ويوسف اسلام باشا... قال جدي: كان قائم مقام كربلاء السيد أحمد السيد عبد الله من السادة آل حكيم لمدة عامين، وحين انفصل عن منصبه كتب له الشاعر عبد الباقي العمري:
يا آل بيت رسول الله عبدكمُ *** قربي بعيداً من أن يدانيكم
إن صح صدق ولائي في محبتكم *** سيّان قربي وبعدي عن مغانيكم
قال الراوي مؤرخ الشهداء: إن الوالي نامق باشا عيّن إسماعيل باشا متصرفا في كربلاء عام 1264هـ وكان قائم مقامها حين ذاك يعقوب بك، ونائب المحافظ عبد الرحمن السويدي ثم عقبه مير ميران مظهر باشا... التفت لي جدي قائلاً: وفي عام 1286هـ كان هناك متصرف سيئ الإدارة مرتشياً لم ينصف كربلاء ولا تاريخها أبداً!! قلت: ما اسمه يا جد وكم سنة حكم كربلاء؟ فقال جدي: كان أسمه إسماعيل باشا، وعزله الوالي في نفس السنة، ونصب مكانه حافظ أفندي ثم استلم منه في نفس العام منه مظهر باشا الذي أنشأ محلة العباسية:
(محلة قد أنشئت بكربلا *** كانت لقنديل الهدى ذبالة
على التقى أسس بنيانها *** مؤرخ لمظهر العدالة)
ثم عدتُ إلى المؤرخ الذي راح يعدد لنا أسماء المتصرفين الأفندية كراشد أفندي، وعلي رضا، ومن (البكوات) مثل قدري بك، وجلال ومحمود وفريد ويحيى نزهب، ومن (البشوات) محمد وعلي وجلال ومحمد تقي الدين وجلال الدين وعلي رضا باشا، وإذا بالمؤرخ ينقلني إلى عام 1918م
(هذا حمى الرسل وذاك معهده *** فعج بنا نبئه عما نجده)
قلت: أعتقد أن هذا بيت من قصيدة للشاعر (أبو المحاسن)... قاطعني الجد: هي لمير ميران باشا بمناسبة إجراء الماء في نهر الحسينية. فقال صديق جدي الرجل الوقور: وفي عهد جلال باشا تم فتح سوق قبلة الحسين، ووسع الحرمين (سوق التجار). فعقب احد الشهداء: وفي عهد (حمزة بك) حصلت حادثة سميت باسمه (دكة حمزة بك) وترك على أثرها كربلاء، وتسلم الحكم الشيخ فخري كمونه، وبقى يحكم فرديا بحدود السنتين... قلت: وعند احتلال الانكليز من الذي حكم كربلاء، لابد انه من (الميجرات)؟ أجابني احد الشهداء: عين الانكليز ميجراً باسم معاون حاكم سياسي في كربلاء، وسحبوا الإدارة من ممثلهم الشيخ فخري كمونه، وتم تعيين عدة معاونين كـ(براي) أشرس الخلق، استبدلته السلطة المحتلة بالكابتن (بوفل) وبعدها بمحمد سروار خان ومن ثم (محمد خان بهادر). قلت: وكأني أرى لا حصة لعربي في هذا الأمر؟ ضحك الجد وقال: أول متصرف عربي لكربلاء هو السيد محسن أبو طبيخ... حيث تم رفع العلم العراقي في مناسبة الاحتفاء به... وعد أحد الشهداء أسماء متصرفي لواء كربلاء في حينه حيث ذكر حوالي (60) متصرفا... ثلاثا وثلاثين منهم قبل العهد الجمهوري... تركته يعد الأسماء وانصرفت من زيارتي.