إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شهادة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شهادة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام






    قرابتها بالمعصوم

    (1) سبط رسول الله(ص)، وابنة الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وأُخت الإمامينِ الحسن والحسين، وعمّة الإمام زين العابدين(عليهم السلام).

    اسمها ونسبها

    زينب بنت علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

    كنيتها ولقبها

    كنيتها: أُمّ كلثوم، أُمّ الحسن، ولقبها: الصدّيقة الصغرى، زينب الكبرى، العقيلة، عقيلة بني هاشم، عقيلة الطالبيين، الموثّقة، العارفة، العالمة غير المعلّمة، الكاملة، عابدة آل علي…

    . أُمّها

    فاطمة الزهراء بنت رسول الله(عليهما السلام)

    . ولادتها

    ولدت في الخامس من جمادى الأُولى 5ﻫ بالمدينة المنوّرة.

    من أقوال العلماء فيها

    1ـ قال ابن الأثير(ت: 630ﻫ): «وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة»(2). 2ـ قال السيّد محسن الأمين(قدس سره): «كانت زينب(عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يُذكر، وأبين من أن يسطر، وتُعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانها وقوّة حجّتها ورجاحة عقلها وثبات جنانها وفصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتّى كأنّها تفرع عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) من خطبها بالكوفة والشام، واحتجاجها على يزيد وابن زياد»(3). 3ـ قال السيّد الخوئي(قدس سره): «إنّها شريكة أخيها الحسين(ع) في الذبّ عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدّها سيّد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنّها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبارة، ولا تخشى غير الله سبحانه، تقول حقّاً وصدقاً، لا تُحرّكها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقّاً هي أُخت الحسين(ع) وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده»(4).

    جلالة قدرها

    قال يحيى المازني: «كنت في جوار أمير المؤمنين(ع) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله(ص) تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين(ع) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(ع) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن(ع) مرّة عن ذلك، فقال(ع): أخشى أن ينظرَ أحدٌ إلى شخصِ أُختِكَ زينب»(5). وفي هذا قال الشيخ حسن سبتي(رحمه الله): «إنْ قَصَدَتْ تَزُورُ قَبرَ جَدِّها ** شَوقاً إليهِ إذ هُمُ بِيَثرِبا أخرجَها لَيلاً أميرُ المُؤمنينَ ** والحُسينُ والزَّكيُّ المُجتبى يَسبقُهُم أَبوهُمٌ فَيُطفِئُ ** الضَّوءَ الذي في القَبرِ قَدْ تَرتَّبا قِيلَ لهُ لِمْ ذَا فَقالَ إنَّني ** أَخشَى بِأنْ تَنظرَ عَينٌ زَينبا»(6). «وجاء في بعض الأخبار أنّ الحسين(ع) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يُجلسها في مكانه»(7). «ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين(ع) وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام إجلالاً لها»(8). وخاطبها الإمام زين العابدين(ع) بقوله: «وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ، وَفَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَة»(9).

    روايتها للحديث

    تُعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، وقد وقعت في أسناد كثير من الروايات، فقد روت أحاديث عن الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء والإمامينِ الحسن والحسين(عليهم السلام).

    أخبارها في كربلاء

    كان لها(عليها السلام) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن، فهي التي كانت تشفي العليل وتُراقب أحوال أخيها الحسين(ع) ساعةً فساعة، وتُخاطبه وتسأله عند كلّ حادث، وهي التي كانت تُدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال. والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة، فاختارت صحبة أخيها وإمامها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، فمَن كان لها أخ مثل الحسين(ع)، وهي بهذا الكمال الفائق، فلا يستغرب منها تقديم أخيها وإمامها على بعلها

    . ندبتها لأخيها الحسين(ع)

    ندبت(عليها السلام) أخاها الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء: «بِأَبِي مَنْ فُسْطَاطُهُ‏ مُقَطَّعُ الْعُرَى، بِأَبِي مَنْ لَا غَائِبٌ فَيُرْتَجَى، وَلَا جَرِيحٌ فَيُدَاوَى، بِأَبِي مَنْ نَفْسِي لَهُ الْفِدَاءُ، بِأَبِي المَهْمُومُ حَتَّى قَضَى، بِأَبِي الْعَطْشَانُ حَتَّى مَضَى، بِأَبِي مَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَاءِ، بِأَبِي مَنْ جَدُّهُ مُحَمَّدٌ المُصْطَفَى…»(10).

    أخبارها في الكوفة

    لمّا جيء بسبايا أهل البيت(عليهم السلام) إلى الكوفة بعد واقعة الطف، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال حذلم بن ستير: ورأيت زينب بنت علي(عليهما السلام)، فلم أرَ خَفِرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(ع)، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّتْ الأنفاس، وسكتتْ الأصوات، فقالت: «الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيَا أَهْلَ الخَتْلِ وَالخَذْلِ، فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ، وَلَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، فَمَا مَثَلُكُمْ إِلَّا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، أَلَا وَهَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ النَّطَف‏…»(11).

    أخبارها في الشام

    أرسل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ السيّدة زينب(عليها السلام) مع سبايا آل البيت(عليهم السلام) ـ بناءً على طلب من يزيد بن معاوية ـ ومعهم رأس الحسين(ع) وباقي الرؤوس إلى الشام، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين(ع) فوضع بين يديه، وأخذ ينكت ثنايا الإمام الحسين(ع) بقضيب خيزران، فقامت(عليها السلام) له في ذلك المجلس، وخطبت قائلة: «الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ أَجْمَعِين‏… أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَرَاءُ، أَنَّ بِنَا عَلَى اللهِ هَوَاناً، وَبِكَ عَلَى اللهِ كَرَامَةً، فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ، وَنَظَرْتَ إِلَى عِطْفِكَ حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْثَقَةً حِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَسُلْطَانُنَا، فَمَهْلاً مَهْلاً، أَنَسِيتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾، ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَلَا مُسْتَعْظِمٍ : فَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً ** ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلُ‏ مُتَنَحِّياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ، وَكَيْفَ‏ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَقَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ، وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّأْفَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ، وَتَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ لَتَرِدَنَّ مَوْرِدَهُمْ. اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانْتَقِمْ لَنَا مِنْ ظَالِمِنَا، فَمَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ، وَلَا حَزَزْتَ إِلَّا لحْمَكَ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَعَلَيْهِ المُتَّكَلُ، فَوَ اللهِ لَا تَمْحُو ذَكَرْنَا، وَلَا تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ، وَلآِخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ، وَيُحْسِنُ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ، إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُود»(12). زوجها

    ابن عمّها، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

    من أولادها

    علي أبو محمّد الزينبي «كان من الأجواد»(13)، وعون ومحمّد «استُشهدا في واقعة الطف».

    وفاتها

    تُوفّيت(عليها السلام) في الخامس عشر من رجب 62ﻫ، واختُلِف في مكان دفنها، فمنهم مَن قال: في مصر، ومنهم مَن قال: في الشام، ومنهم مَن قال: في المدينة المنوّرة

    . من أقوال الشعراء فيها

    1ـ قال الشيخ جعفر النقدي(رحمه الله): «عَقيلةُ أَهلِ بَيتِ الوَحيِ بِنتُ ** الوَصيِّ المُرتَضى مَولَى المَوالي شَقيقةُ سِبطَي المُختارِ مَن قَد ** سَمَت شَرفاً على هَامِ الهِلالِ حَكَتْ خَيرَ الأنامِ عُلاً وفَخراً ** وحَيدرَ في الفَصيحِ مِنَ المقالِ وفَاطمَ عفّةً وتُقىً ومَجداً ** وأَخلاقاً وفي كَرمِ الخلالِ رَبيبةُ عِصمةٍ طَهُرَتْ وطَابَتْ ** وفَاقَتْ في الصِّفاتِ وفي الفِعالِ فَكانَتْ كَالأئمّةِ في هُداهَا ** وإِنقاذِ الأَنامِ مِن الضَّلالِ وكانَ جِهادُها باللَّيلِ أَمضَى ** مِن البِيضِ الصَّوارمِ والنِّصالِ وكانَتْ في المُصلَّى إذ تُناجي ** وتَدعُو اللهَ بالدَّمعِ المذالِ ملائِكةُ السَّماءِ على دُعاها ** تُؤَمِّن في خُضوعٍ وابتهالِ روَتْ عن أُمِّها الزَّهرا عُلوماً ** بها وصَلَتْ إلى حَدِّ الكَمالِ مَقاماً لَم يكن تَحتاجُ فيه ** إلى تَعليمِ عِلمٍ أو سُؤالِ ونَالَتْ رُتبةً في الفَخرِ عَنها ** تَأخَّرتِ الأوَاخرُ والأوالي فَلولا أُمُّها الزَّهراءُ سَادَتْ ** نِساءَ العالمينَ بِلا جِدالِ»(14). 2ـ قال الشيخ حسن سبتي(رحمه الله): «رُوحي لها الفِداءُ مِن مَصونةٍ ** زَكيّةٍ كَريمةٍ ذَاتِ إبَا ذَاتِ عَفافٍ وَوَقارٍ وحِجىً ** مَن شَرُفَتْ أُمّاً وجَدّاً وأبَا أَحمدُ جَدِّي وعَليٌّ والِدِي ** وفَاطمٌ أُمٌّ فَأكرِم نَسَبَا تَكفَّلَتْ أثقَلَ ما في الدَّارِ ** بَعد أُمِّها مِنْ أيَّام الصِّبا وَجُرِّعَتْ مَا جُرِّعَتْهُ أُمُّها ** من الأذَى ما مِنهُ تُنْسَفُ الرُّبَى عَيْبَةُ عِلمٍ غير أنَّ عِلمَها ** غَريزةٌ ولم يَكنْ مُكتَسَبَا عالِمةٌ عامِلةٌ لربِّها ** طُولَ المدى سِوَى التُّقَى لن تُصبِحا تَقيةٌ مِن أهلِ بَيتِ عِصمةٍ ** شَقيقَةُ السِّبطِ الحُسينِ المجتبى صِدِّيقةٌ كُبرى لِجَمِّ عِلمِها ** طَاشَتْ بها الألبابُ والفِكْرُ كَبَا فَيَا لها دَاعيةٌ إلى الهُدى ** في حَلِّ كلِّ مُشكلٍ قد صَعُبَا ذَاتُ فَصاحةٍ إذا ما نَطَقَتْ ** حِيناً تَخالُ المرتضى قَد خَطَبَا سَلْ مَجلِسَ الشَّامِ ومَا حَلَّ بهِ ** مُذْ خَطَبَتْ مَاجَ بِهم واضْطَرَبَا»(15). ــــــــــــــــــــــــ 1

    المصادر
    ـ اُنظر: أعيان الشيعة 7/ 137. 2ـ أُسد الغابة 5/ 469. 3ـ أعيان الشيعة 7/ 137. 4ـ معجم رجال الحديث 24/ 219 رقم15659. 5ـ وفيات الأئمّة: 435. 6ـ المصدر السابق: 477. 7ـ المصدر السابق: 436. 8ـ المصدر السابق: 437. 9ـ الاحتجاج 2/ 31. 10ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 78. 11ـ الأمالي للمفيد: 321 مجلس38 ح8. 12ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 105. 13ـ اُنظر: أنساب الأشراف2/ 67. 14ـ وفيات الأئمّة: 442.
    15ـ المصدر السابق: 477.

  • #2
    السيّدة زينب عليها السّلام المدافعة عن حريم الولاية

    أ. مع أمير المؤمنين عليه السّلام
    نافحت عقيلة الهاشميين عليها السّلام عن حريم الولاية، ووقفت إلى صفّ إمام زمانها عليه السّلام تدافع عنه وتجاهد في الذبّ عنه، فقد رُويَ أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا توجّه لقتال الناكثين الذين نكثوا بيعته وألّبُوا عليه في البصرة، وقال في حقّهم كلاماً جاء فيه «... واللهِ، إنّ طلحة والزبير لَيعلَمان أنّهما مُخطئان وما يَجهلان، ولربّما عالم قَتَلَه جَهْلُه وعِلْمُه معه لا ينفعه! واللهِ لَينبحنّها كلابُ الحَوْأب، فهل يَعتبر مُعتبر، أو يَتفكّر متفكّر ؟! ثمّ قال: قد قامت الفئةُ الباغية، فأين المُحسنون ؟26
    ونُقل أنّ عائشة أرسلت إلى حفصة كتاباً تقول فيه: ما الخبر ما الخبر ؟‍! إنّ عليّاً كالأشقر، إن تَقَدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر. فجمعت حفصةُ نساءَ قومها وصِرن يَضرِبنَ بالدُّفوف ويَردِّدنَ ذلك الكلام، فأُخبِرت زينب عليها السّلام بذلك، فعمدت إلى الخروج إليهنّ وخرجت تَحفُّ بها الإماء ومعها أمّ سَلَمة زوجةُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وأمّ أيمن، حتّى دخلت على النسوة، فلمّا رأتها حفصةُ استحيت وفَرّقت النساء، فقالت لها زينب عليها السّلام: إن تَظاهرتُما على أبي فلقد تَظاهرتُما على رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن قبلُ27.

    ب. مع الحسين الشهيد عليه السّلام
    أمّا دفاعها عن أخيها وإمامها الحسين الشهيد عليه السّلام، فقد رافقته إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد التي يَشيبُ لها الوِلدان، وقدّمت ابنَيها عوناً ومحمّداً شهيدَين في طفّ كربلاء، ولم يُنقَل عنها عليها السّلام أنّها نَدبت ابنَيها بكلمةٍ ولا ذَرَفت لفقدهما دمعة، فقد كان همّها الشاغل مواساة أخيها الحسين عليه السّلام بكلّ وجودها.

    روي أنها عليه السّلام دخلت على أبي عبدالله الحسين عليه السّلام في خِبائه ليلةَ عاشوراء، فوجدته يَصقِلُ سَيفاً له ويقول: يا دهرُ أُفٍّ لك من خليلِ... الأبيات، فذُعِرت وعَرَفت أنّ أخاها قد يئس من الحياة، وأنّه مقتول لا محالة، فصرخت نادبةً أخاها وقالت: وا ثُكلاه! ليتَ الموتَ أعدَمني الحياة! اليومَ ماتت فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسن أخي، يا خليفةَ الماضي وثُمالَ الباقي28.

    وروي أنّ عليّ الأكبر ابن الإمام الحسين عليه السّلام لما بَرَز إلى القوم وقاتل حتّى استُشهد، جاء إليه الحسين عليه السّلام وهو يقول: قَتَل اللهُ قوماً قتلوك، ما أجرأهُم على الرحمان وعلى رسوله وعلى انتهاكِ حُرمةِ الرسول، على الدنيا بَعدَك العَفا.

    قال الراوي: فكأنّي أنظر إلى أمرأةٍ مسرعةٍ تنادي بالويل والثبور وتقول: يا حبيباه! يا ثمرةَ فؤاداه! يا نورَ عيناه!
    فسألتُ عنها فقيل: هي زينب بنت عليّ عليه السّلام. فجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين عليه السّلام فأخذ بيدها ورَدَّها إلى الفِسطاط29.
    وروى أصحابُ المقاتل أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا هَوى من ظهر جوادِه وقد أثخنته الجراح، دون أن يُضعِف ذلك من عزمه أو يَفُتّ في عَضُده، حتّى قال عنه أحدُ الذين قاتَلوه: فواللهِ ما رأيتُ مكسوراً مكثوراً قطُّ قد قُتِل وُلدُه وأهلُ بيته وأصحابُه، أربَطَ جأشاً، ولا أمضى جَناناً، ولا أجرأ مَقدَماً منه، واللهِ ما رأيتُ قَبلَه ولا بعدَه مِثلَه، إن كانت الرجّالةُ لَتنكشِفُ من عن يمينه انكشافَ المِعزى إذا شَدَّ فيها الذئب.
    قال: فواللهِ إنّه لكذلك إذ خرجت زينبُ ابنةُ فاطمة أختُه... وهي تقول: لَيتَ السماء تَطابقتْ على الأرض! ثمّ خاطبت عمر بن سعد وقد دنا من الحسين، فقالت: يا عمر بن سعد! أيُقتَلُ أبو عبدالله وأنت تَنظر إليه ؟!فصرف عمر بن سعد وجهَه عنها30.
    وروى المجلسي أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا طُعن في خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن، خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه واسيّداه وا أهلَ بيتاه! لَيت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل31.

    وروي أنّ جيش عمر بن سعد أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخَرجنَ حَواسِرَ حافياتٍ باكياتٍ، وقُلنَ: بحقِّ الله إلاّ ما مَررتُم بنا على مصرع الحسين.
    قال الراوي: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنت عليّ عليه السّلام وهي تندبُ الحسينَ وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
    وا محمّداه! صلّى عليك مَليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقَطَّعُ الأعضاء، وبَناتُك سبايا، إلى الله المُشتكى... وا محمّداه هذا حُسين بالعراء، يَسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، يا حُزناه يا كَرباه! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحابَ محمّداه، هؤلاء ذريّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوقَ السبايا!32

    ج. مع الإمام زين العابدين عليه السّلام
    تولّت عقيلة بني هاشم عليها السّلام تمريضَ الإمام زين العابدين عليه السّلام ورعايتَه والمحافظةَ عليه في كربلاء والكوفة والشام. وكان من المواقف التي خلّدها لها التاريخ في دفاعِها عن إمام زمانها: الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد شهادة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، فقد خاطبها ابن زياد فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم! فقالت: إنّما يُفتَضَحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ، وهو غيرنا.
    فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيكِ وأهل بيتكِ ؟
    فقالت: ما رأيتُ إلاّ جميلاً. هؤلاءِ قومٌ كَتَب اللهُ عليهم القتلَ فبَرزوا إلى مَضاجِعهم، وسيجمعُ اللهُ بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصَم، فانظُرْ لِمَن الفَلج يومئذٍ ثَكَلَتْكَ أمُّك يا ابنَ مَرجانة!
    ثم التفتَ ابنُ زياد إلى عليّ بن الحسين فقال: مَن هذا ؟
    فقيل: عليّ بن الحسين.
    فقال: أليس قد قَتلَ اللهُ عليَّ بن الحسين ؟!
    فقال عليّ: قد كان لي أخ يُسمّى عليّ بن الحسين قَتَله الناس.
    فقال ابن زياد: بل اللهُ قَتَله!
    فقال عليّ عليه السّلام: اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَم تَمُت في مَنامِها.
    فقال ابنُ زياد: ولكَ جرأةٌ على جوابي ؟! اذهَبوا به فاضربوا عُنُقَه!
    فسَمِعَت عمّتُه زينبُ ذلك فقالت: يا ابنَ زياد، إنّك لَم تُبقِ منّا أحداً، فإن عَزَمتَ على قتلهِ فاقتُلني معه33.
    وقد تطرّقنا إلى خطبتَي عقيلة بني هاشم عليها السّلام في الكوفة وفي الشام، اللتين أبانت بهما حقيقةَ النهضة الحسينيّة، وفضحت مَكْر بني أميّة ومحاولتهم تصوير الإمام الحسين عليه السّلام بأنّه خارجيّ خرج على خليفة زمانه، فكانت كلمات العقيلة عليها السّلام استمراراً لنهضة أخيها الشهيد عليه السّلام، وكان ثباتها وصمودها وصبرها السُّورَ الحصين الذي صان مُعطيات الثورة الحسينيّة المباركة، والترجمانَ الصادق الذي نقل للأجيال تفاصيل تلك النهضة الظافرة.


    فسلام الله عليكِ يا عقيلةَ الهاشميّين يوم وُلدتِ، ويوم التَحقتِ بالرفيقِ الأعلى، ويوم تُبعثينَ حيّةً فيوفّيكِ اللهُ تبارك وتعالى جزاءك بالكأسِ الأوفى مع جدّكِ المصطفى، وأبيكِ المرتضى، وأمّكِ الزهراء، وأخيك الحسن المجتبى، وأخيكِ الشهيد بكربلاء

    من شبكة المعارف الاسلامية - بتصرف
    26 ـ الإرشاد للشيخ المفيد 247:1؛ وقد أشار عليه السّلام في كلامه هذا إلى الأخبار الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سيُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وبأنّه عليه السّلام سيقاتل الفئة الباغية، وبأنّ طلحة والزبير سيقاتلان عليّاً عليه السّلام وهما ظالمان له، وأنّ عائشة ستخرج في حربه فتنبحها كلابُ الحوأب؛ والحوأب منطقة قرب البصرة.
    27 ـ زينب الكبرى 25.
    28 ـ تاريخ أبي مخنف 457:1.
    29 ـ بحار الأنوار 43:45 و 44.
    30 ـ تاريخ أبي مخنف 490:1.
    31 ـ بحار الأنوار للمجلسيّ 54:45.
    32 ـ بحار الأنوار 59:45.
    33 ـ بحار الأنوار 116:45 ـ 117.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X