رغبة في تجاوز المفاهيم التقليدية حاول النقاد ولوج الدراسات النقدية الحديثة والسعي إلى آفاق المعرفية العلمية ومحاولة تجاوز الإشكالية التي طرحها مفهوم (نص) ففي معجم لسان العرب يحمل دلالة الرفع : أي المرجع، وابن منظور: اقصى السير، والزمخشري يراه الإرتفاع، أما الشافعي فهو يراه خطاباً يعلم ما يراد به من الحكم. وبذلك فإن النص لدى أغلب الأصوليين يقترن بالتعيين ونفي الإحتمال واستبعاد التأويل وإلغاء إي دلالة يتضمنها المفهوم. وظهوره في الثقافة العربية ظل يواجه فعالية الوصف والإستقراء والتحليل، وفي المعاجم العربية ورد هذا المصطلح بمعانٍ مختلفة وتعريفات تختلف في دلالتها، وأما مصطلح (نص) في اللسانيات فهو يقابل الدلالة اللغوية ويحيل على النسيج الذي هو عندنا بمعنى الحبكة، كقوله عليه السلام: ( أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن كنود، يعد فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتوا، لاننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا) المعنى/ العنود: الجائر، الكنود: الكفور، القارعة: الخطب يقرع من ينزل به أي يصيبه. فالنص استخدم عند (قريماس وكورتيس) للدلالة على كل ما مدون وملفوظ وهو وحدة لغوية وليست نحوية. أما (جورج مونان) يقرن دلالته بضرب من تركيب الألفاظ من علامات لفظية واشارات كتابية بإعتباره معادلا للمتن. وعند (فوكو) اعتبره انموذجاً فلسفياً يلج مجال المعرفة العقلية، كقوله عليه السلام لأبي ذر الغفاري رضوان الله عليه لما أخرجه عثمان الى الربذة عنوة: (يا أبا ذر.. لو أن السموات والأرضين كانت على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا، ولا يؤنسك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل. فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منهم لأمنوك) المعنى/لو قرضت منها: لو قطعت منها جزءاً واختصصت به نفسك، أي لو رضيت أن تنال منها. ويراه الباحث عبد السلام المسدي: يعني اللغة المحمولة، فإنه إراد الإقتراب من جملة من المصطلحات ومنها المقولة والمحمولة، وعندنا (المقول) يعني الملفوظ، و(المحمول) يعني المؤول، يقول عليه السلام: (أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا عن تيجان المفاخرة)، المعنى/عرج عن الطريق مال عنه وتنكبه، وضعوا تيجان المفاخرة عن رؤوسكم: أي طأطئوا رؤوسكم تواضعاً ولا ترفعوها بالمفاخرة إلى حيث تصيبها تيجانها. والغريب إن الباحث محمد مفتاح مد النص في دراسته (ديناميكية النص) إلى استراتيجية التناص والذي هو: النص الذي يتكئ على نص أسبق، كقوله عليه السلام للمغيرة بن الأخنس: (يابن اللعين الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع) فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)، ويرى (رولان بارط) وسواه من السيميولوجيين: انها تحمل جملة من السمات ومنها قوة التحول والتعدد الدلالي وسمة الإنفتاحية ولذة النص، يقول عليه السلام: (فمن أشعر التقوى قلبه برز مهله، وفاز عمله، فإهتبلوا هبلها، واعملوا للجنة عملها. فإن الدنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازاً لتزودوا منها الأعمال إلى دار القرار. فكونوا منها على أوفاز. وقربوا الظهور للزيال) المعنى/المهل: التقدم في الخير، أي فاق تقدمه الى الخير على تقدم غيره. اهتبل الصيد: طلبه، والضمير في هبلها للتقوى لا للدنيا، أي اغتنموا خير الدنيا. الوفز: العجلة، وجمعه أوفاز، أي كونوا منها على استعجال، والظهور: ظهور المنايا، أي أحضروها للزيال: أي فراق الدنيا. ونجد إن مفردة (لذة النص) تعني الإنفتاح على المساحة الجمالية في طرح المفهوم الجمالي، يقول عليه السلام في وصف دولة بني أمية: (بل هي مجة من لذيذ العيش يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة) المعنى/المجة: قطرة العسل تكون في أفواههم كما تكون في فم النحلة يذوقونها زماناً ثم يقذفونها.
أعجبني
تعليق
تعليق