- تعد القضية المهدوية من القضايا الإسلامية الثرية المنابع والمصادر والنصوص، وهي من أهم القضايا التي ذكرت مسائلها ونصوصها جميعُ المذاهب الإسلامية بل وغير الإسلامية، بل وحتى غير الدينية السماوية، وهي بذلك تفتح باب البحث العلمي أمام الباحث، إذ يجد فيها ما يسدُّ شغفه العلمي.
نعم هي - أي النصوص - لم تشبع جميع المسائل المتعلقة بالبيان التفصيلي، لكنها على كل حال كثيرة ومتنوعة.
إن كثرة النصوص المهدوية في الوقت الذي توفر مادة البحث العلمي، هي تضفي تعقيداً من نوع آخر على البحث، من جهة أن التراث الواصل إلينا - مما يتعلق بها، حاله حال عموم التراث الإسلامي - لم يأت عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) فقط، فالكثير - إن لم يكن أغلب - ما ورد فيها في كتب العامة مبتلى بضعف السند، كونه لم يرو عن المعصوم، بل هناك الكثير من النصوص الضعيفة حتّى على مباني القوم، وبعضها موضوع مكذوب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وهذا يقتضي جهداً استثنائياً من الباحث لفرز النصوص ومعالجتها.
إلّا أنه رغم ذلك نجد أن هناك مسائل مهدوية عديدة اتَّفقت النصوص على كلياتها، وإن اختلفت في بعض تفصيلاتها، ومن تلك المسائل هي مسألة (دابة الأرض) التي تخرج في آخر الزمان، وهي الدابة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢).
قال في أشراط الساعة الكبرى(١): وخروج هذه الدابة لا مرية فيه فهو ثابت بالكتاب والسنة، أمّا الكتاب فقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢).
أمّا الأحاديث فهي كثيرة سبق منها... حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون»؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات»، وذكر منهن الدابة.
وفي المسند من حديث أبي أمامة يرفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم(٢) ثم يعمّرون فيكم حتّى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين»(٣).
٢ - من العقائد الممكنة في حدّ نفسها، والتي دلّ الدليل النقلي على وقوعها فيما مضى، وعلى وقوعها في المستقبل، هي عقيدة الرجعة، والتي تعني باختصار: أن الله تعالى يحيي بعض الموتى ليرجعهم إلى الحياة في هذه الدنيا، لهدف ولآخر، ثم بعد أن يستوفوا الفترة المقررة لهم، يموتون مرة أخرى.
هذه العقيدة ليست مستحيلة على قدرة الله تعالى، ولا دليل يدل على امتناعها، بل الدليل على إمكانها بل ووقوعها، وقد بُحثت بالتفصيل في علم الكلام، ونأخذها هنا كأصل موضوعي.
ودابة الأرض - على الصحيح المستفاد من نصوص أهل البيت (عليهم السلام) وبقية الأدلة التي سنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى - هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا يعني أنه (عليه السلام) سيكون من الراجعين في آخر الزمان، ولا مانع عقلياً ولا نقلياً من هذا المعنى.
٣ - إن القرآن الكريم لم ينزل بلغة خاصة به، أو بأسلوب لا يعرفه العرب، وإنما هو كتاب نزل باللغة العربية، واستعمل نفس الأساليب العربية، ولذا تجد فيه المجاز، والكناية، والتصريح والإضمار، واعتمد القرائن المتصلة والمنفصلة في بيان مطالبه، وغيرها من أساليب اللغة العربية.
وهذا يعني: أن فهمه يقتضي الرجوع إلى اللغة العربية وأساليبها ومعاجمها لفهم ظواهره، بل ومراداته الجدية في بعض الأحيان.
٤ - إن اللغة العربية لغة متحركة، بمعنى أن لفظاً ما قد يكون مستعملاً في معنى، ولكنه يتغير معناه بمرور الزمن، بأن يضيق معناه المدلول له، أو يتسع، أو حتى قد يُستعمل في غير ما وُضع له.
وهذا يعني أننا وإن كنا نرجع إلى قوانين اللغة العربية في فهم المعنى المراد من لفظ ما، ولكن علينا أن ننتبه إلى حقيقة، وهي: أن اللفظ قد يكون له معنى لغوي معين نجده في القواميس اللغوية، ولكن وبعد مرور فترة من الزمن، يكتسب ذلك اللفظ معنى جديداً مضافاً إلى معناه اللغوي، أو ربما لا يمتّ إلى المعنى اللغوي بصلة، ومن أمثلة ذلك لفظ (العصابة)، فأي واحد منا اليوم إذا سمع لفظ (عصابة)، فإنه يتبادر إلى ذهنه معنى سلبي تماماً يحكي عن مجموعة من قطّاع الطرق أو المجرمين، ولكن لو رجعنا إلى القواميس اللغوية لوجدنا أن معناها هو فقط: (الجماعة من الناس والخيل والطير)(٤) (والعُصْبةُ والعِصابةُ: جماعةُ ما بين العَشَرة إِلى الأَربعين)(٥).
ومن ذلك أيضاً لفظ (الحيوان) حيث إنه وضع للدلالة على كل ما يدبّ على الأرض، ولكن اليوم حصل في معناه زحاف واضح بحيث صار يُستعمل في غير الإنسان، أي أنه حصل تضييق في مفهومه بإخراج الإنسان منه.
وهذا يعني: أنه إذا ورد لفظ ما في نص شرعي، فلابد أن نرجع إلى زمن صدور النص لنعرف ما هو المعنى الذي كان يُستعمل فيه اللفظ آنذاك، ونفسّر اللفظ بالمعنى المقصود في ذلك الزمن، والذي قد يكون هو نفس المعنى المستعمل في زمننا، وقد يكون غيره كما أوضحنا.
٥ - إن النصوص التي تعرضت لذكر الدابة كثيرة، والملاحظ فيها أنّ كماً معتداً به ورد في روايات العامة، وهي ضعيفة السند، ولكننا سنتعرض لها لأجل:
١ - أنها على كل حال تمثل تراثاً روائياً لا مانع من الاطلاع عليه.
٢ - أنها تنفع في محاججة الطرف الآخر بطريقة الإلزام.
٣ - أن بعضها يحتوي على تفاصيل لم ترد في رواياتنا الخاصة.
٤ - أنها تتفق مع رواياتنا الخاصة في ذكر أصل مسألة الدابة.
بناءً على كل ما تقدم، فإن البحث عن (دابة الأرض) التي ذكرتها الآية الكريمة، يقتضي أولاً البحث في النصوص الواردة فيها، ثم العمل على فهم المقصود منها وبيان ماهيتها بالرجوع إلى النصوص المفسرة، وتقويته من خلال تأييد معاجم اللغة العربية في مدلول لفظ (الدابة).
فهنا نقاط عديدة:
نعم هي - أي النصوص - لم تشبع جميع المسائل المتعلقة بالبيان التفصيلي، لكنها على كل حال كثيرة ومتنوعة.
إن كثرة النصوص المهدوية في الوقت الذي توفر مادة البحث العلمي، هي تضفي تعقيداً من نوع آخر على البحث، من جهة أن التراث الواصل إلينا - مما يتعلق بها، حاله حال عموم التراث الإسلامي - لم يأت عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) فقط، فالكثير - إن لم يكن أغلب - ما ورد فيها في كتب العامة مبتلى بضعف السند، كونه لم يرو عن المعصوم، بل هناك الكثير من النصوص الضعيفة حتّى على مباني القوم، وبعضها موضوع مكذوب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وهذا يقتضي جهداً استثنائياً من الباحث لفرز النصوص ومعالجتها.
إلّا أنه رغم ذلك نجد أن هناك مسائل مهدوية عديدة اتَّفقت النصوص على كلياتها، وإن اختلفت في بعض تفصيلاتها، ومن تلك المسائل هي مسألة (دابة الأرض) التي تخرج في آخر الزمان، وهي الدابة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢).
قال في أشراط الساعة الكبرى(١): وخروج هذه الدابة لا مرية فيه فهو ثابت بالكتاب والسنة، أمّا الكتاب فقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢).
أمّا الأحاديث فهي كثيرة سبق منها... حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون»؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات»، وذكر منهن الدابة.
وفي المسند من حديث أبي أمامة يرفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم(٢) ثم يعمّرون فيكم حتّى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين»(٣).
٢ - من العقائد الممكنة في حدّ نفسها، والتي دلّ الدليل النقلي على وقوعها فيما مضى، وعلى وقوعها في المستقبل، هي عقيدة الرجعة، والتي تعني باختصار: أن الله تعالى يحيي بعض الموتى ليرجعهم إلى الحياة في هذه الدنيا، لهدف ولآخر، ثم بعد أن يستوفوا الفترة المقررة لهم، يموتون مرة أخرى.
هذه العقيدة ليست مستحيلة على قدرة الله تعالى، ولا دليل يدل على امتناعها، بل الدليل على إمكانها بل ووقوعها، وقد بُحثت بالتفصيل في علم الكلام، ونأخذها هنا كأصل موضوعي.
ودابة الأرض - على الصحيح المستفاد من نصوص أهل البيت (عليهم السلام) وبقية الأدلة التي سنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى - هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا يعني أنه (عليه السلام) سيكون من الراجعين في آخر الزمان، ولا مانع عقلياً ولا نقلياً من هذا المعنى.
٣ - إن القرآن الكريم لم ينزل بلغة خاصة به، أو بأسلوب لا يعرفه العرب، وإنما هو كتاب نزل باللغة العربية، واستعمل نفس الأساليب العربية، ولذا تجد فيه المجاز، والكناية، والتصريح والإضمار، واعتمد القرائن المتصلة والمنفصلة في بيان مطالبه، وغيرها من أساليب اللغة العربية.
وهذا يعني: أن فهمه يقتضي الرجوع إلى اللغة العربية وأساليبها ومعاجمها لفهم ظواهره، بل ومراداته الجدية في بعض الأحيان.
٤ - إن اللغة العربية لغة متحركة، بمعنى أن لفظاً ما قد يكون مستعملاً في معنى، ولكنه يتغير معناه بمرور الزمن، بأن يضيق معناه المدلول له، أو يتسع، أو حتى قد يُستعمل في غير ما وُضع له.
وهذا يعني أننا وإن كنا نرجع إلى قوانين اللغة العربية في فهم المعنى المراد من لفظ ما، ولكن علينا أن ننتبه إلى حقيقة، وهي: أن اللفظ قد يكون له معنى لغوي معين نجده في القواميس اللغوية، ولكن وبعد مرور فترة من الزمن، يكتسب ذلك اللفظ معنى جديداً مضافاً إلى معناه اللغوي، أو ربما لا يمتّ إلى المعنى اللغوي بصلة، ومن أمثلة ذلك لفظ (العصابة)، فأي واحد منا اليوم إذا سمع لفظ (عصابة)، فإنه يتبادر إلى ذهنه معنى سلبي تماماً يحكي عن مجموعة من قطّاع الطرق أو المجرمين، ولكن لو رجعنا إلى القواميس اللغوية لوجدنا أن معناها هو فقط: (الجماعة من الناس والخيل والطير)(٤) (والعُصْبةُ والعِصابةُ: جماعةُ ما بين العَشَرة إِلى الأَربعين)(٥).
ومن ذلك أيضاً لفظ (الحيوان) حيث إنه وضع للدلالة على كل ما يدبّ على الأرض، ولكن اليوم حصل في معناه زحاف واضح بحيث صار يُستعمل في غير الإنسان، أي أنه حصل تضييق في مفهومه بإخراج الإنسان منه.
وهذا يعني: أنه إذا ورد لفظ ما في نص شرعي، فلابد أن نرجع إلى زمن صدور النص لنعرف ما هو المعنى الذي كان يُستعمل فيه اللفظ آنذاك، ونفسّر اللفظ بالمعنى المقصود في ذلك الزمن، والذي قد يكون هو نفس المعنى المستعمل في زمننا، وقد يكون غيره كما أوضحنا.
٥ - إن النصوص التي تعرضت لذكر الدابة كثيرة، والملاحظ فيها أنّ كماً معتداً به ورد في روايات العامة، وهي ضعيفة السند، ولكننا سنتعرض لها لأجل:
١ - أنها على كل حال تمثل تراثاً روائياً لا مانع من الاطلاع عليه.
٢ - أنها تنفع في محاججة الطرف الآخر بطريقة الإلزام.
٣ - أن بعضها يحتوي على تفاصيل لم ترد في رواياتنا الخاصة.
٤ - أنها تتفق مع رواياتنا الخاصة في ذكر أصل مسألة الدابة.
بناءً على كل ما تقدم، فإن البحث عن (دابة الأرض) التي ذكرتها الآية الكريمة، يقتضي أولاً البحث في النصوص الواردة فيها، ثم العمل على فهم المقصود منها وبيان ماهيتها بالرجوع إلى النصوص المفسرة، وتقويته من خلال تأييد معاجم اللغة العربية في مدلول لفظ (الدابة).
فهنا نقاط عديدة:
تعليق