حملات التخريب على المدينة المقدسة
سمعت احد الشهداء يلعن (الديزج)!! استوقفني كثيرا هذا الاسم... أين قرأت عن الديزج؟ اين سمعت به؟ وكأن الشهيد عرف ما افكر به فقال: استرح قليلا، سيأتي جدك فهو يعلم بقدومك.. برهة صمت ثم استدرك: هل تذكرت من هو الديزج؟ هو ذلك الرجل الذي تقدم الحملات التي سيرها المتوكل - لعنه الله - بقيادة (عمر بن فرج الرجحي) مع جماعة من اليهود، وقد ترأس الحملة (هارون المعري). قلت: ياعم الرواية اعرفها ومذكورة في الكثير من المصادر، وانا قرأتها في مختصر تاريخ العرب للسيد أمير علي.. لكني لم اسمع بالديزج... لقد حضر جدي تتقدمه ابتسامة الترحيب، وهو يجيبني: هو الرجل الذي حضر وغلمانه لتخريب قبر الحسين عليه السلام ثم حرثه وتسويته بالأرض. قلت: لا حول ولا قوة الا بالله، فقال: حتى وصلوا موضع القبر فاستولى عليهم الرعب، واستبدلهم باليهود الذين سرعان ما هربوا لكونهم شاهدوا قوما يحولون بينهم وبين القبر الشريف، واخذوا يرمونهم بالنبال والسهام... واخيرا لم يترك شارة الحسين بالديزج دون عقاب دنيوي قبل الاخروي، فاشتدت عليه وطأة الحمى التي فتكت به..
عقب احد الشهداء الشباب: واستلم القيادة حين ذاك مبعوث المتوكل عمر بن فرج الرجحي.. فأمر بالقبر وعند قبر الحسين توقفت المحاريث، فلم تتقدم مهما جوبهت بقوة، عند ذلك امر بارسال الماء عليه من نهر العلقمي، وتعجب الجيش حين حار الماء بقدرة الله حول القبر وصار كأنه جدار من ماء. قلت: ياجد اعتقد انها موجودة عندنا في كتاب تاريخ الطبري. عقب الشيخ الوقور صديق جدي: في الجزء (11). فقلت: وفي مقاتل الطالبيين. فقال الجد: وتجدها ايضا في الامالي لأبي الحسن الطوسي. فقال جدي: وهناك حادثة اخرى مرت على كربلاء تجدها في كتاب الكامل لابن الاثير. قلت: ياجد اتقصد غارة ضبة الاسدي؟ فضحك جدي قائلا: ما شاء الله عليك يا ولدي.. فقد كان ضبة أمير عين التمر، نهب كربلاء وحمل اهلها اسارى الى قلعته في عين التمر...
قلت: ياجد هناك حادثة في البال، أليس ضبة هذا هو من هجاه المتنبي فأرسل إليه رجالا من بني اسد فاغتالوه؟ واخذوا من معه. قال: نعم هو... وحينها ارسل عضد الدولة (فان خسرو) جيشا هجم على عين التمر، وحاصر القلعة ثم استولى عليها، وعين عضد الدولة أحد العلويين رئيسا لعين التمر. قال الشيخ الوقور لجدي: وهناك غارة اخرى تسمى (غارة خفاجة). استغربت: خفاجة؟! فقال: هي قبيلة عراقية موطنها الاصلي الشطرة، انتشرت بين الحلة وكربلاء وبغداد وديالى ومن بعض فروعها التي سكنت كربلاء (الوزون، والطهامزة، والصلخة، والبهادرية) وغارت خفاجة على امارة الحلة، وكان اميرها (صدقة بن دبيس بن مزيد الاسدي) فأرسل سيف الدولة ابن عمه قريش بن بدران فخسر الحرب ووقع اسيرا حيث اطلق سراحه بعد ذلك، فهجمت خفاجة على كربلاء وذبحت اهلها، فغضب سيف الدولة وجهز جيشا حاصرهم في الحائر الحسيني، وقتل منهم خلقا كبير ولم يسلم منهم احد ثم قرر تعويض خسائر اهل كربلاء..
قلت: امهلني يا عم.. ماعلاقة هذه القضية بحادثة دبيس بن صدقة؟ فأجابني الجد: هو ابنه وقد ملك الحلة سبعة عشر عاما، وعند زيارة الروضة الحسينية كسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة، وقد امر بان لاتقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة، ولا يخطب هنا لأحد، وكذلك فعلها في مرقد الامام علي عليه السلام.. واخيرا قتل بتحريض السلطان مسعود السلجوقي...
برهة صمت ثم اكمل احد الشهداء وهو رجل كبير السن يوازي عمر جدي تقريبا، والمشكلة أني اراه لأول مرة: هل سمعت شيئا عن هجمات جيش تيمورلنك على كربلاء. قلت: يعني ليس بالدقة التي تتصورها فأجابني: تستطيع أن تجد الحكاية مفصلة في كتاب روضة الصفا لمحمد مير خان شاه. قلت: ياليتك تحدثنا عنها، وإلا فأين أجد تلك المصادر؟ قال: ياولدي كان (تيمور كور) يفكر دائماً في مناجزة السلطان أحمد الجلائري، وحين فتح ايران ارسل بهدايا الى بغداد رفضها السلطان أحمد الجلائري فسار تيمور بجيشه نحو بغداد. نقل أحمد الجلائري ثقله عبر دجلة الجانب الغربي وفي الجانب الشرقي وقفت طلائع جيش التحرير تشاهد غرق السفن ورفع الجسر وأخذ يخطط بكيفية العبور... وفعلاً عبر الجيش وفر السلطان أحمد الى الحلة. فقلت: ماذا يفعل بالحلة؟ فأجاب: ليحتمي بها. سألته: طيب وجيش تيمور... هل بقي في بغداد؟ فقال: لا، لقد تبعه لكن في الطريق التمس القوات من الأمير تيمور الرجوع الى بغداد، وهم سيتتبعون أبن أويس الذي فرّ الى النجف، ومن ثم الى كربلاء، تبعه الامير عثمان بهادر مع 45 رجلاً من أمراء الجيش، ظفروا بالسلطان أحمد في كربلاء ومعه مائتي فارس من أعوانه، التحم الفريقان مما ترك فرصة لأبن أويس ان يفر الى مصر محتمياً بالسلطان (برقوق). أما الامير عثمان فقد عثر على رجال أبن أويس وأسرهم وأسر زوجته وأبنه علاء الدين وجميع ندماء السلطان بعد أن انتهت الحرب زار أمراء تيمورلنك مرقد الحسين، استجمعوا قواهم ثم رحلوا. قلت: والله يا جد انها احداث رائعة. فقال الجد: يا بني الأحداث كثيرة، وانت لم تسمع شيئا عنها بعد وإلا فهل سمعت عن حادثة المشعشعي.