تويت
***************
(جاء المجنون) سمعتها باذني وانا ادخل بوابة المقبرة القديمة، ويبدو ان احد حراسها تنصت على محاوراتي، ولأنه لا يقدر على رؤية الشهداء، فظن بي الجنون! قال الشيخ الشهيد لجدي: يبدو إنا عثرنا لحفيدك على اسم يليق به؛ هل تدري ياولدي ان (زيد المجنون) زار كربلاء في القرن الثالث الهجري، وزارها الكثير من العلماء مثل محمد بن الحسين الاشتباني وغيره... قلت: ياجد لقد قرأت في كتاب (مدينة الحسين) ان حركة علمية واسعة ابتدأت في اواخر القرن الثالث، فقال جدي: اذن لابد انك قرأت عن الزعيم الديني (حميد بن زيادة النينوي) هذا الرجل النابغة الذي يعد هو من اسس جامعة العلم في كربلاء... عقب احد الشهداء: ولكي لا يتيه الموضوع فهو يلقب بالنينوي بالتحديد، فقال جدي: هي تمتد من جنوب السدة الهندية حتى مصب العلقمي.
عقب الشيخ الشهيد صديق جدي: ان عضد الدولة البويهي حين زار مدينة كربلاء في مطلع القرن الرابع الهجري أحيا فيها حركة العلم والعمران، هذا مكتوب عندكم في تراث كربلاء (لسلمان هادي آل طعمة) وعقب شهيد اخر وتستطيع مراجعة (تاريخ كربلاء وحائر الحسين / للدكتور عبد الجواد الكلدار) لترى كيف ازدهرت كربلاء وتقدمت معالمها الانسانية والفكرية. قلت: الذي اعرفه عند استقرار الشيخ (الطوسي) في النجف الاشرف جعل الحركة العلمية تنتقل الى النجف. فعقب الجد: لكن لا يعني هذا ان كربلاء فقدت بريقها ففي وقته كان فيها الشيخ (هشام بن العباس الحائري) صاحب (المسائل الحائرية) ومحمد بن علي بن حمزة الطوسي (ابن الحمزة) صاحب كتاب (الوسيلة).
عقب الشيخ الشهيد صديق جدي الودود: واحتفظت كربلاء بزعامتها الدينية بشكل متميز في القرن السابع الهجري، اثر ظهور علماء مرموقين كبار ومثال السيد فخار بن معد الحائري الموسوي، وعز الدين حسن بن نائل... قلت: صبراً ياشيخ لقد تعبت. فأشار الجد ليمهلني فرحة ادراك هذه المعلومات... لكن هذا الصمت هيأ لي عوالم اخرى للحب، فأنى للصبر في هذه الوجوه المتحمسة والمتهيجة فهي تاريخ مدينة الحسين رفقا حياتيا، صرت ابصر دموعهم الساخنة المشفوعة بالحب عند ذكر معالم كربلاء، ابصرت فرحتهم واعتزازهم لأنهم عطاشى ينهلون من نهر مترع، وابصر حيويتهم الكربلائية، وما عدت اصدق انهم في لحظة من لحظات الزمان توقفت قلوبهم عن النبض وبما توقعت لتنبض كربلاء، قلت: وردت في مذكرات الرحالة المشهور ابن بطوطة وجود مدرسة عظيمة وزاوية كريمة عقب الشيخ: يعني بالمسجد ابن شاهين.
وقال الجد: انها الزاوية الكريمة (في دار السيادة) التي اقامها السلطان (محمود غازان خان) وجعلها وقفا للفقراء والمساكين وابناء السبيل. قال احد الشهداء معقبا: بالمناسبة هذا الذي تتحدثون عنه في القرن الثامن الهجري الذي شهدت به كربلاء اعدادا هائلة من طلبة العلم، ومن جميع دول العالم، ومن اعلامه العام الاديب الشاعر السيد الحائري عميد الدين عبد المطلب (ابو الفوارس) والشيخ عز الدين الاسدي، علي بن الحنازي الحائري، والحسين بن سعد الله الخميني العبدلي، والشيخ ابن دريد الحائري وغيرهم كثيرون... قلت: جاء في كتاب (تراث كربلاء) ان بعض رجال الفكر انتقلوا من كربلاء المقدسة الى النجف الأشرف ليتعهد من احيا الحركة العلمية فيها، فعقب احد الشهداء: لو ننظر الى كتاب (فقهاء الفيحاء) للسيد هادي كمال الدين او كتاب (تاريخ الحلة) للاستاذ يوسف كركوش سنجد ان الحركة العلمية في هذه الفترة انتقلت الى الحلة التي انجبت رهطا كبيرا من العلماء والمفكرين.
قال الجد: سنحاول أن نتسلسل بالتواريخ كي لا تضيع عليك المعلومات. فأجبته: اذن ياجد وصلنا الى القرن التاسع الهجري. قال احد الشهداء الشباب: اتركوني لأحدثه عن هذه الفترة، فتركوا له المجال للمشاركة لكونه كان صامتا طوال اللقاء فقال: اثر انتقال الزعيم الديني الشيخ (احمد بن محمد بن فهد الحلي) وهو من قبيلة بني اسد، ويرى علماء اخرون كالشيخ ابراهيم الكفعمي، والسيد حسين بن مساعد الموسوي، انتقلت الموجة الفكرية في كربلاء واستمرت حتى القرن الثاني عشر الهجري...
حين يتحدث الشهداء عن كربلاء ارى في احاديثهم النخيل آلت تتطلب بيوتات كربلاء والحائر والمدارس والخانات واشم عطرها عبر التواريخ فواحة، هؤلاء الشهداء جمعتهم التواريخ في تاريخ وحدة الولاء...
اسمع الشيخ الوقور: انتقلت الحوزة العلمية الى النجف الاشرف اثر انتقال زعيم الحركة العلمية في كربلاء في هذا العهد وصلت في كربلاء لحد لم يسبق له مثيل، فكانت محورا دراسيا ومنتجعا يزود العلم، وانتشرت حرية الافكار، وكان من ابرز علماء كربلاء في وقتها السيد (نصر الله بن الحسين الفائزي) ، مدرس في الروضة الحسينية، والشيخ مهدي الفتوت، ويوسف البحراني، والمدرس الوحيد البهبهاني، الذي اصبح اماما بالعلم والفقه، والشيخ شريف العلماء، والشيخ خلف، والشيخ محمد حسين الاصفهاني صاحب الفصول، والسيد ابراهيم القزويني صاحب الضوابط، والمولى محمد صالح الرغائي، والشيخ عبد الحسين الايقامي، والسيد مرزا الدماد، والشيخ المازنداني، والمرعشي، والكشميري، والسيد محمد باقر الحجة الطباطبائي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، وسواهم من فطاحل العلماء الاعزاء... قلت: عذراً سادتي احتاج الى استراحة قصيرة.