كان بيت (ام احمد) - ولا احد يسميه بيت (ابو احمد) - ينقلب كل ليلة الى جحيم لايطاق، تسمع صراخ الاب وبكاء الاطفال، وكان الاب رجلا قاسيا يضرب زوجته واطفاله الصغار، مساكين يعيشون تحت سطوة ذئب شرس لايطاق، يفتعل الشجار كل يوم... فكانت قضية (ام احمد) تشغل بالنا كثيرا، لأن المعادلة صعبة على عقولنا، كيف يقولون عنها ارملة وزوجها يضربها كل يوم، ونسمع صراخه الى آخر المحلة؟ وكيف يقولون عن الاطفال ايتاما وابوهم موجود؟! تلك حيرة لا تتحملها عقولنا الصغيرة، حتى كنا أحيانا نراقب الاب، نذهب الى محله، لنلاحظ تصرفاته، وإذا هو يضحك!! إذن لماذا لا يضحك في البيت، بينما يتصرف مع الناس بلطف وألفة؟ فلماذا لايتصرف مع اطفاله بهذا الحنو والسكينة؟
سمعت يوما ام احمد وهي تقول لاحدى جاراتنا: صرت أخاف على الأطفال منه !!! هل هذا معقول، أمٌ تخشى على اولادها من أبيهم !!! وتكمل قولها... أين ارحل بهم؟ لا اهل عندي حتى اطفاله صاروا يكرهونه!! وسمعتها مرة تقول: قسما سأحافظ على اولادي منه ومن غيره، حتى اوصلهم الى اعلى مدارج العلم... اشياء قد لاتكن مألوفة على عقولنا، فنجلس كل يوم لنحسبها سوية نحن اطفال المحلة... أب مثابر يعمل ليل نهار، لكن اطفاله جياع، وجميع الجيران يتعاطفون مع جوعهم وعوزهم، ولا خوف عليهم، فالجيران طيبون... وحين كبرنا عرفنا القضية؛ عائلة كريمة كل مشكلتها انها تنتمي لأب مدمن لا يرحم نفسه، ولا اطفاله الصغار، ولاتهمه سمعة بيته، واخيرا مات الرجل مخمورا، واصبحت زوجته أرملة حقيقية، تواجه جفاف الحياة لوحدها، بعدما رفضت الزواج وأصرّت أن تعيل اطفالها، وكانت من الخيّاطات الماهرات، كبر الاطفال، والاب الذي عاش ومات وهو في دائرة النسيان، وهو لايدري الآن حين اسلـِّم على ابنه، لا اعرف إلا أن اناديه... دكتور أحمد...
تعليق