من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية كبيرة في معرفة درجة أيمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالى، فمقام الرضا يحتاج إلى معرفة ويقين حتى يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالى حتى يصل في النهاية إلى مرحلة إيمانية عالية جداً، وكما ورد في دعاء كميل «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً» أي أن الإنسان المؤمن يطلب من الله تعالى أن يوصله إلى مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمه له سواء من خير أو غير ذلك، ومع هذا كله فلقد ورّد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن رأس طاعة الله تعالى الصبر والرضا عن الله تبارك وتعالى.
فلقد جاء في الحديث الشريف عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: (اَلصَّبْرُ وَاَلرِّضَا عَنِ اللهِ رَأْسُ طَاعَةِ اللهِ، وَمَنْ صَبَرَ وَرِضَيَ عَنِ اَللَّهِ فِيمَا قَضَى عَلَيْهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، لَمْ يَقْضِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلاَّ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ)[1] لأنه سبحانه وتعالى كما ورد في بعض الأخبار ـ عند حسن ظن عبده المؤمن به، إضافة إلى أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته، وان خفيف تلك المصلحة على العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.
وجاء في حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل)[2].
فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر مقام الزهراء (عليها السلام) العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر لها من خير وبلاء، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة (عليها السلام)، فبملاحظة اسمها إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها (عليها السلام) يتضح ويظهر آنها عليها السلام كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها، وكما ورد على لسان الإمام العسكري عليه السلام: (نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا)[3] والحجة لا يكون على الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره.
وهناك من الاحاديث الكثيرة ما يؤكد عظم مكانتها وفضلها حتى على الأنبياء: منها، الحديث الوارد عن أهل البيت عليهم السلام: (إنّ اللهَ تعالى أمهرَ فاطمةَ (عليها السلام) رُبعَ الدّنيا، فربعُها لها، وأمهرَها الجنّةَ والنار، تُدخِلُ أعداءَها النار، وتدخِل أولياءَها الجنّة، وهيَ الصدّيقةُ الكُبرى، وعلى معرفتِها دارَت القرونُ الأولى)[4]. وفي الحديث المروي عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) متحدثاً عن نور الزهراء: (هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي، أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي، وخَلَقْتُهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِي، أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِي، أُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ اَلنَّبِيِّينَ)[5]. وعَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (لَوْلاَ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) تَزَوَّجَهَا لَمَا كَانَ لَهَا كُفْؤٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ)[6]، وهذا الحديث يدل على أفضلية فاطمة الزهراء (عليها السلام) على الانبياء، وعلى جميع البشر ماعدا أبيها وبعلها، وكونها كفؤا لعلي يعني أن أكثر المقامات التي كانت لعلي (عليه السلام) فهي ثابتة للصديقة فاطمة (عليها السلام)، فهما بمنزلة واحدة من الايمان والتقوى، وإلا لما كان كل منهما كفؤاً للأخر. وعلى هذا تكون فاطمة (عليها السلام) حجة على الأئمة (عليهم السلام) كما كان أمير المؤمنين حجة على الأئمة (عليهم السلام).
فأفضليتها (سلام الله عليها) يجعلها أن تكون دليلاً لغيرها في تلك المقامات التي وصلت اليها وسبقت غيرها فيها.
ويشهد لهذا المعنى من كونها واسطة في إيصال بعض العلوم الى غيرها من الأئمة (عليهم السلام) أن من جملة علوم الأئمة (عليهم السلام) مصحف فاطمة (عليها السلام) وبه كانت الواسطة العلمية بين الائمة (عليهم السلام) وبين الله تعالى في العلم المحفوظ في مصحفها المتعلق بما يكون الى يوم القيامة، فهي حجة في هذا العلم الحجة على الأئمة (عليهم السلام) يأخذون به نظير حجية النبي (صلى الله عليه وآله) في شأن القرآن الكريم الذي هو مصدر علوم الأئمة (عليهم السلام)، ولا يخفى ان وساطتها لذلك العلم ليس عبر نقش وخط ذلك المصحف اذ الوجود الكتبي وجود تنزلي لحقائق ذلك العلم الذي القي اليها ويشهد لوساطتها لعلومهم وحجيتها روايات بدء الخلقة وخلقة انوارهم واشتقاقها على الترتيب من نور النبي (صلى الله عليه وآله) ونور علي وان رتبتها بعد علي (عليه السلام) وأن بقية أنوار الائمة (عليهم السلام) اشتقت منها فهي واسطة فيض تكوينية لوجودهم وكمالاتهم وهو مقام رفيع وسر عظيم.
الرضا هو توافق الشيء مع الهدف، فكل شيء يتوافق مع أهدافك ترضى عنه، وليس بالضرورة أن تحبه، فالحب شيء والرضا شيء آخر، قد لا يكون الشيء محبوباً ولكنه مرضي لأنه يتوافق مع أهدافك، ويتوافق مع طموحاتك، فالإنسان المريض إذا احتاج إلى عملية جراحية قاسية يرضى بها وإن كان لا يحبها، هي عملية جراحية قاسية فلا يحبها لكنه يرضى بها لأنها تتفق مع أهدافه وهو حصوله على الصحة والشفاء، فكل عمل يتوافق مع الهدف يرضى الإنسان عنه.
هناك فرق بين رضا المخلوق ورضا الخالق، فرضا المخلوق هو حالة نفسية تحصل للإنسان؛ وهي عبارة عن التوافق والارتياح، «رضي عني أبي» أي أن أبي يعيش ارتياحاً واستقراراً من جهتي، بينما رضا الله هو فعل من أفعاله، وفرق بين الوجود الناقص والوجود الكامل، الوجود الناقص كوجود الإنسان معرضاً للانفعالات، فالإنسان ينفعل بالعوامل الخارجية المختلفة لأنه وجود ناقص لا يستغني عن العوامل الأخرى لذلك ينفعل بها، بينما الله تبارك وتعالى وجود كامل غني لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[7]، لا يتأثر بعوامل أخرى ولا ينفعل بها، انفعالات الرضا والغضب والحلم والسخط تَعْرض على الوجود الناقص وهو الإنسان، ولا تَعْرض على الوجود الكامل وهو الله، فما معنى أن الله يرضى ويغضب إذا لم يكن لديه انفعالات ومشاعر؟
رضا الله هو ثوابه، وغضبه عقابه لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾[8]، رضي أي أثابهم وأعطاهم ثواب.
إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها
من الظلم والأذى، وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها.
وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالى وبين الصدّيق الذي يكون عند الله بهذا المقام، فلقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (قال الله عز وجل: عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له، فليرض بقضائي، وليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي أكتبه، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي)[9].وتمام هذا الحديث منطلق على سيرتها الذاتية عليها السلام فهي كانت راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان ، وكانت شاكرة لله تعالى فالشكر يدى على الرضا ، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية ، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين ، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها ، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين على أنها كانت صديقة سلام الله عليها.
أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية، وكما قلنا إن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها، فعن علي بن أعبد قال: قال لي على رضي الله عنه: (ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى قال: إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فأتي النبي خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادما. فأتته فوجدت عنده حداثا، فاستحيت فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقلت: أحدثك يا رسول، جرت عندي بالرحى حتى أثر في يدها، وحملت القربة حتى أثر في نحرها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، [و] أوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه. قال: اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، إن أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعا وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم. فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله، ولم يخدمها)[10].
ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح الخطبة، في مسالة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال: وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت على النبي صلى الله عليه وآله فطلبت منه خادمة وقالت: لا اطيق على شدائد أشغال البيت، فعلّمها النبيّ صلى الله عليه وآله تسبح فاطمة وبشّر لها بثوابه: فقالت ثلاثاً: رضيت عن الله ورسوله، فرجعت إلى بيتها فقالت: طلبت من أبي خير الدنيا، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة، أو لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة.[11]
[1] وسائل الشیعة، ج3، ص251.
[2]أصول الكافي، ج 2، ص 66.
[3] كتابُ تفسيرِ أطيبِ البيان، ج 22، ص 82 ذيلُ الآيةِ 3 مِن سورةِ الجن.
[4] الشيخُ الطوسيّ في الأمالي، ص668.
[5] علل الشرايع، ج1، ص179.
[6] الخصال، ج2، ص414.
[7] سورة فاطر، الآية: 15.
[8] سورة الفتح، الآية: 185.
[9]أصول الكافي، ج 2، ص 68.
[10] مسند فاطمة عليها السلام للحافظ البوطي، ص: 110.
[11] اللمعة البيضاء، ص: 92.
فلقد جاء في الحديث الشريف عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: (اَلصَّبْرُ وَاَلرِّضَا عَنِ اللهِ رَأْسُ طَاعَةِ اللهِ، وَمَنْ صَبَرَ وَرِضَيَ عَنِ اَللَّهِ فِيمَا قَضَى عَلَيْهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، لَمْ يَقْضِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلاَّ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ)[1] لأنه سبحانه وتعالى كما ورد في بعض الأخبار ـ عند حسن ظن عبده المؤمن به، إضافة إلى أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته، وان خفيف تلك المصلحة على العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.
وجاء في حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل)[2].
فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر مقام الزهراء (عليها السلام) العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر لها من خير وبلاء، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة (عليها السلام)، فبملاحظة اسمها إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها (عليها السلام) يتضح ويظهر آنها عليها السلام كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها، وكما ورد على لسان الإمام العسكري عليه السلام: (نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا)[3] والحجة لا يكون على الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره.
وهناك من الاحاديث الكثيرة ما يؤكد عظم مكانتها وفضلها حتى على الأنبياء: منها، الحديث الوارد عن أهل البيت عليهم السلام: (إنّ اللهَ تعالى أمهرَ فاطمةَ (عليها السلام) رُبعَ الدّنيا، فربعُها لها، وأمهرَها الجنّةَ والنار، تُدخِلُ أعداءَها النار، وتدخِل أولياءَها الجنّة، وهيَ الصدّيقةُ الكُبرى، وعلى معرفتِها دارَت القرونُ الأولى)[4]. وفي الحديث المروي عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) متحدثاً عن نور الزهراء: (هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي، أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي، وخَلَقْتُهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِي، أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِي، أُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ اَلنَّبِيِّينَ)[5]. وعَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (لَوْلاَ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) تَزَوَّجَهَا لَمَا كَانَ لَهَا كُفْؤٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ)[6]، وهذا الحديث يدل على أفضلية فاطمة الزهراء (عليها السلام) على الانبياء، وعلى جميع البشر ماعدا أبيها وبعلها، وكونها كفؤا لعلي يعني أن أكثر المقامات التي كانت لعلي (عليه السلام) فهي ثابتة للصديقة فاطمة (عليها السلام)، فهما بمنزلة واحدة من الايمان والتقوى، وإلا لما كان كل منهما كفؤاً للأخر. وعلى هذا تكون فاطمة (عليها السلام) حجة على الأئمة (عليهم السلام) كما كان أمير المؤمنين حجة على الأئمة (عليهم السلام).
فأفضليتها (سلام الله عليها) يجعلها أن تكون دليلاً لغيرها في تلك المقامات التي وصلت اليها وسبقت غيرها فيها.
ويشهد لهذا المعنى من كونها واسطة في إيصال بعض العلوم الى غيرها من الأئمة (عليهم السلام) أن من جملة علوم الأئمة (عليهم السلام) مصحف فاطمة (عليها السلام) وبه كانت الواسطة العلمية بين الائمة (عليهم السلام) وبين الله تعالى في العلم المحفوظ في مصحفها المتعلق بما يكون الى يوم القيامة، فهي حجة في هذا العلم الحجة على الأئمة (عليهم السلام) يأخذون به نظير حجية النبي (صلى الله عليه وآله) في شأن القرآن الكريم الذي هو مصدر علوم الأئمة (عليهم السلام)، ولا يخفى ان وساطتها لذلك العلم ليس عبر نقش وخط ذلك المصحف اذ الوجود الكتبي وجود تنزلي لحقائق ذلك العلم الذي القي اليها ويشهد لوساطتها لعلومهم وحجيتها روايات بدء الخلقة وخلقة انوارهم واشتقاقها على الترتيب من نور النبي (صلى الله عليه وآله) ونور علي وان رتبتها بعد علي (عليه السلام) وأن بقية أنوار الائمة (عليهم السلام) اشتقت منها فهي واسطة فيض تكوينية لوجودهم وكمالاتهم وهو مقام رفيع وسر عظيم.
الرضا هو توافق الشيء مع الهدف، فكل شيء يتوافق مع أهدافك ترضى عنه، وليس بالضرورة أن تحبه، فالحب شيء والرضا شيء آخر، قد لا يكون الشيء محبوباً ولكنه مرضي لأنه يتوافق مع أهدافك، ويتوافق مع طموحاتك، فالإنسان المريض إذا احتاج إلى عملية جراحية قاسية يرضى بها وإن كان لا يحبها، هي عملية جراحية قاسية فلا يحبها لكنه يرضى بها لأنها تتفق مع أهدافه وهو حصوله على الصحة والشفاء، فكل عمل يتوافق مع الهدف يرضى الإنسان عنه.
هناك فرق بين رضا المخلوق ورضا الخالق، فرضا المخلوق هو حالة نفسية تحصل للإنسان؛ وهي عبارة عن التوافق والارتياح، «رضي عني أبي» أي أن أبي يعيش ارتياحاً واستقراراً من جهتي، بينما رضا الله هو فعل من أفعاله، وفرق بين الوجود الناقص والوجود الكامل، الوجود الناقص كوجود الإنسان معرضاً للانفعالات، فالإنسان ينفعل بالعوامل الخارجية المختلفة لأنه وجود ناقص لا يستغني عن العوامل الأخرى لذلك ينفعل بها، بينما الله تبارك وتعالى وجود كامل غني لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[7]، لا يتأثر بعوامل أخرى ولا ينفعل بها، انفعالات الرضا والغضب والحلم والسخط تَعْرض على الوجود الناقص وهو الإنسان، ولا تَعْرض على الوجود الكامل وهو الله، فما معنى أن الله يرضى ويغضب إذا لم يكن لديه انفعالات ومشاعر؟
رضا الله هو ثوابه، وغضبه عقابه لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾[8]، رضي أي أثابهم وأعطاهم ثواب.
إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها
من الظلم والأذى، وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها.
وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالى وبين الصدّيق الذي يكون عند الله بهذا المقام، فلقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (قال الله عز وجل: عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له، فليرض بقضائي، وليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي أكتبه، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي)[9].وتمام هذا الحديث منطلق على سيرتها الذاتية عليها السلام فهي كانت راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان ، وكانت شاكرة لله تعالى فالشكر يدى على الرضا ، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية ، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين ، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها ، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين على أنها كانت صديقة سلام الله عليها.
أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية، وكما قلنا إن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها، فعن علي بن أعبد قال: قال لي على رضي الله عنه: (ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى قال: إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فأتي النبي خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادما. فأتته فوجدت عنده حداثا، فاستحيت فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقلت: أحدثك يا رسول، جرت عندي بالرحى حتى أثر في يدها، وحملت القربة حتى أثر في نحرها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، [و] أوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه. قال: اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، إن أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعا وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم. فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله، ولم يخدمها)[10].
ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح الخطبة، في مسالة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال: وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت على النبي صلى الله عليه وآله فطلبت منه خادمة وقالت: لا اطيق على شدائد أشغال البيت، فعلّمها النبيّ صلى الله عليه وآله تسبح فاطمة وبشّر لها بثوابه: فقالت ثلاثاً: رضيت عن الله ورسوله، فرجعت إلى بيتها فقالت: طلبت من أبي خير الدنيا، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة، أو لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة.[11]
[1] وسائل الشیعة، ج3، ص251.
[2]أصول الكافي، ج 2، ص 66.
[3] كتابُ تفسيرِ أطيبِ البيان، ج 22، ص 82 ذيلُ الآيةِ 3 مِن سورةِ الجن.
[4] الشيخُ الطوسيّ في الأمالي، ص668.
[5] علل الشرايع، ج1، ص179.
[6] الخصال، ج2، ص414.
[7] سورة فاطر، الآية: 15.
[8] سورة الفتح، الآية: 185.
[9]أصول الكافي، ج 2، ص 68.
[10] مسند فاطمة عليها السلام للحافظ البوطي، ص: 110.
[11] اللمعة البيضاء، ص: 92.
تعليق