قراءة انطباعية في مجموعة (أتنفس الألوان)
المجموعة هي للشاعر السعودي ياسر عبد الله آل غريب (أحد شعراء مهرجان الجود العالمي الرابع للقصيدة العمودية بحق أبي الفضل العباس (ع)، والذي يقيمه قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة).
تعمل شعرية التصريح على اختيار أقرب الطرق التواصلية لتحقق خطاباً شعرياً شمولياً يستفز الواقع بواسطة لغة شفافة، تتحرك بجميع الاتجاهات المختزلة والمعبرة عن امكانية هذا التصريح، صيغ تأويلية نابضة بالفعل القرين، فلو قرأنا مثلاً:
(إني أضفتك في أسماء عاطفتي... جمع الضمائر من أحلى هواياتي) ص8
لنتأمل في مفردة الضمائر التي تحيلنا الى مزايا لغوية، امتلكت قيمتها الجمالية الموحية، والى قراءات أكثر قدرة على التجاذب الإنساني، فالضمائر هنا تتعدى مفهومها اللغوي كضمائر إعرابية تذهب إلى حيزها الوجداني، تصريحات تصل بنا الى روح الانتماء، إلى التعاشق القيمي، والنخل العالي، الذي لايجدي بعلوه نفعاً، (والنخل يصلي والعذق سجيته)، جملة معان تمنح الشاعر خصوصية الاشتغال الشعري، وشعرية التصريح هي شعرية المباشرة المرتكزة على ازاحات جمالية، تمنح النسيج الشعري جواذب التلقي زاخرة بالتراكيب المبدعة:
(أرخت ذكراك العزيزة شامخاً... والشمس تقرأ والجبين كتاب
يا موطني لا ينتمي لك عاشق... إلا ويصهر في الثرى ويذاب)
ويحفل مثل هذا الشعر بأن يكون قريباً من تأويلية مفهومة، لكنها يقظة تحمل في طيّاتها الموقف الانساني المعبر عن تماثل الحقيقة، دون تداخلات تغريبية توحش المعنى، فلذلك نجدها تقدم التاريخي واقعاً يزدهي بمحمولاته التراثية، ويعتني بتفاعلات الحاضر، بالولوج الى التأريخ عبر خطاب مع الرمز الحسيني المقدس، مكون من ثنائيات قد تكون تقابلية أو ترادفية، المهم أنها تشتغل على مدلولات التصريح (أرض - سحب – خشعة - همس – صوت - ظل صدى) لتتحرك أنفاس المقدس أرضاً وسماء خشعة نبي أو همس ملك، والنتيجة هذا الانتماء الحسيني الصريح الدلالات، والحافل بسمو إشراق:
(يا خفقة الله في أرض وفي سحب... يا خشعة (المصطفى) يا همس (جبريلا)
خذنا إليك نكن صوتاً وظل صدى... (ليَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) ص29
وتعمل اللغة الإزاحية في شعرية التصريح على تغيير السمات اللغوية إلى موحية لمعنى متحول مثل: (قصاصات المسافات - مثقال اقصاء - عمر الفقاعات).
التصريحات الزمانية يتداخل فيها الحاضر مع الماضي من أجل صياغة تضحوية جديدة، تماثل الاستجابة الحسينية للأمر الإلهي، بصياغات أسلوبية تتقارب كثيراً مع المفهوم الشمولي للدلالات العامة، وهذا الفعل يصعب عملية استقرار الشعري، لتتجلى مستويات البناء بالرموز والمرموزات سعياً لرفع الحواجز النفسية عن التلقي.
وتتسم ظاهرة التصريح الشعري بروح البساطة - بساطة التماثل الشعوري - ووضوح الاحالة والمخزون الدلالي كمثال هو عامل ثلاجة الموتى بأنها (صمت طاعن في الذل) وبعدما يتنامى الفعل الشعري إلى عوالم الوضوح، تصبح (ثلاجة الموتى تكاثر نسلها في الأرض) لتصل النتيجة الشعرية إلى (انهيار البنية الخضراء من جسد الطبيعة بعدما هبت طواغيت الرياح) ص55
ويتجلى مثل هذا الاسلوب التصريحي في اختيار المواضيع الشعورية والفكرة التي تنزل الى الناس إلى مشاعرهم وأحاسيسهم، وكل مكوناتهم الانسانية، ولهذا نجد الشاعر (ياسر آل غريب) دقيقاً في تناوله للقضايا المؤثرة، كاختياره لموضوعة اليتم:
(إن هذا اليتم ختم
من سنا الله على هذا الجبين
قم تنفس
واذرع الآفاق بحثا سترى وجه ابيك
ستراه...
وسط مرآة اليقين) ص67
وبهذه الاشتغالات الشعرية، لخص الشاعر (آل غريب) مهمات الشاعر الوظيفية التي تسعى لتنصهر ضميرياً مع الناس، وتكون على ذمة الجمهور.
أعجبني
تعليق