في كتاب (الرجوع إلى الله)
قراءة: علي الخباز
الكتابة في العوالم الأخروية تعدّ سعياً لتقديم محفزات روحية وثابة للمتلقي، وهي قادرة على خلق روادع عقلية تؤازر الإنسان لتشذيب علائق الطفولة والعادات الموروثة. ومفهوم الابداع يعني تجسيد تلك العوالم لخدمة الإنسان، ويستمد مكوناته من ينابيع المدون الموروث. وفي كتاب (الرجوع إلى الله) المعدّ من سلسلة إذاعية تقدمها (إذاعة الكفيل - صوت المرأة المسلمة من العتبة العباسية المقدسة)، إعداد الكاتبة/ هدى الوتار.
وقد عرضت مواد البحث في اثنتي عشرة حلقة إذاعية مكونة اثني عشر فصلاً، توجه خطابها إلى ينابيع روحية تبحث في العالم النوراني، في الموت والسبيل المعرفي فيما بعده، وعن الروح، وحساب القبر، ونفخة الصور، ويوم القيامة الموعود... ومثل هذه المواضيع في عالم الثقافة النبيلة لا تحسب هروباً من الواقع الحياتي إلى العوالم الغيبية، وإنما هي بحث عن الغيب الذي يشكل واقعاً مؤجلاً، البحث عن هيمنة روحية واعية تنهل من معين الصبر والتصابر المؤمن، فترى الكاتبة المُعدّة أن الصبر على المخاوف وعلى الألم هي طرق علاجية تقصي الشهوة، وتبعد المعاصي عن الإنسان، ويعني إدراك ماهية الذنب الذي يصبح مع الوعي نوعاً من أشرس أنواع الألم، وهذا الفهم بعينه سيتحول إلى محصن شعوري يبعد الإنسان عن الأسباب المهيجة لانفعالاته السلبية. وهناك نوابض حياتية تنمي هذا المحصن، وهذه النوابض تتمثل في يقظة الإنسان نفسه في بصيرته التي لا تنتج إلا بالمواظبة على التذكر والتذاكر، وعلى حضور مجالس الذكر، ليعرف من خلال هذه المجالس المضامين التي لابد أن يتخلص منها، مثل: طول الأمل، والاتكالية، والتيه الفكري... وهذا يقرب معنى احتياجنا للوعي الصبور والفكر المتدبر، واستحضار الموت والحساب؛ كي لا نغفل التوبة.
والبحث عن العمق المعنوي لهذا الكتاب، يأخذنا باتجاه البحث عن تحقيق ذكر الموت في القلب، والذي يخضع لمرتكزات المعايشة مع المشاهدة الأخروية: كزيارة القبور، وتشييع الجنائز، والمشاركة في المآتم، واستحضار الحكمة التي تجتث طول الأمل في الإنسان، وتضعه أمام الصيغ الفطنة المزيلة للجهل وحب الدنيا، وجعل الموت نصب العين، فاستشهدت الكاتبة بسؤال مأخوذ من عبر التاريخ، قال رجل لأبي ذر (رضي الله عنه): ما بالنا نكره الموت؟ فقال: (لأنكم عمّرتم الدنيا وخربتم الآخرة)، صور بليغة رسمت أهداف السعي الجاد، ليدلنا على مواضيع النضج الفني، وفيه الكثير من اشعاع التوهجات الروحية، بمعنى أن تقرب مفهوم الموت إلى الحياة، وتبعده عن مفهوم العدمية، وهذا الأمر يحتاج الى الإيمان لنصل ذروة التسليم والتصديق التي تسعى جميع الكتابات الصادرة من العتبة العباسية المقدسة إلى ترسيخها، لتوضيح صور تلك الأهوال والأحوال التي في عوالم الموت وما بعده من نفخة الصور، وبعث الحياة والمحشر، ومثل هذا الرسوخ الايماني يميز الشموخ الانساني عن سواه؛ لكونه قادراً على استيعاب الواقع. وكتاب (الرجوع الى الله) عبارة عن مجموعة من اشتغالات فكرية، قدمتها كاتبتها ضمن رؤى واعية، تحاول أن تساهم في تدارك الانسان لهفواته، والتفكير الجاد في قضية الرجوع إلى الله سبحانه تعالى.