بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
وهذا اسم آخر لفاطمة الزهراء سلام الله عليها، والذي يظهر من خلال التأمل والتدبر في السيرة الذاتية لها أنه هناك احتمالا، في معنى كونها مرضية، أحدهما هو كون جميع أعمالها وأفعالها وأقوالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارك وتعالى فهي رضي الله عنها ورضت عنه، فهي راضية مرضية راضية عند الباري عز وجل ومرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر . اللهم صل على محمد وآل محمد
والاحتمال الآخر أنها سلام الله عليها كانت مرضية، من جهة ما أعطاها الله تبارك وتعالى من المقامات النورانية التي بها فضلها على غيرها وكذلك، ومن خلال ما أعطاها تبارك وتعالى من الذرية الكثيرة حيث جعل منها الائمة الهاديين، وكذلك هي مرضية سلام الله عليها من جهة أن لها مقام الشفاعة الكبرى وكما ورد في أحاديث مجيئها يوم القيامة وكيفية شفاعتها لشيعتا ومحبيها،
المرضية: وهذا اللقب المبارك يأتي في الذكر الحكيم وفي الروايات ضمن أوصاف النفس المطمئنة، ويذكر بعد الراضية، إلا أنه أشرف وأقوى من حيث ما قاله النيسابوري في تفسيره: إن الراضية هي النفس الراضية والمسلمة لكل المقدرات الكائنة والأحكام الجارية التي تصلها من الله.
أما المرضية: فهي التي رضى الله عنها فصارت مرضية للحق تعالى.
ففي الأولى الرضا من العبد، وفي الثانية الرضا من الله، والمناط رضا الحق عن العبد، لأن العبد إذا رضي عن الله رضي الله عنه، كما يقال: «رضي الله عنه ورضي عنه»
وفي مجمع البحرين: الراضية وهي التي رضيت بما أوتيت، والمرضية هي التي رضى عنها.
وببيان آخر: إن للنفس خمس مراتب: الأولى: النفس الأمارة. الثانية: النفس اللوامة. قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وقال: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾
الأولى تتبع الهوى وتأمر بالسوء، والثانية تلوم على المخالفة وتذعن بالتقصير في الطاعة والإحسان.
الثالثة: النفس المطمئنة وهي الآمنة. الرابعة: الراضية.
الخامسة: المرضية. وذهب بعض إلى القول بالنفس الملهمة التي تنزل عليها الخيرات من الله أو تلهم بواسطة الملك، ولربما أخذت من قوله تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ .
والنفس المطمئنة للسيدة لو لم تكن راضية من الله، لما كانت مرضية عند الله، ولما حازت هذا اللقب، ومثلها أيضا نفوس الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، خصوصا نفس سيد الشهداء (عليه السلام) الذي أولوا فيه قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ ، وهذه الثمرة من تلك الشجرة كما أن الواحد من العشرة.
والنفس - باصطلاح المتصوفين - لها حقيقة واحدة تتصف بثلاث صفات «وإن النفس أمارة ولوامة ونفس مطمئنة»، ومنهم من عد النفس الملهمة شيئا رابعا، وعبارتهم كالتالي: «فإن حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها إذا توجهت إلى الله تعالى توجها كليا سميت مطمئنة، وإذا توجهت إلى الطبيعة توجها كليا سميت أمارة، وإذا توجهت تارة إلى الحق بالتقوى وتارة أخرى إلى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة».
وأياً كان تفسير معنى المرضية سواء كان الاحتمال الأولى أو الثاني، فغن فاطمة سلام الله عليها قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية فهي راضية مرضية أعمالها عند الله عز وجل: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾.
إنّ جميع الأبعاد الكماليّة المتصوَّرة للمرأة، والمُتصوَّرة للإنسان قد تجلّت في فاطمة الزهراء سلام الله عليها. إنّها لم تكن امرأة عاديّة، بل كانت امرأة روحانيّة، امرأة ملكوتيه، إنساناً بتمام معنى الإنسان، بكلّ الأبعاد الإنسانيّة، حقيقة المرأة الكاملة، حقيقة الإنسان الكامل، إنّها ليست امرأة عاديّة، بل موجود مَلَكُوتي قد ظهر في العالم في صورة إنسان، موجود إلهي جبروتي ظهر بصورة امرأة.
– كلّ الحقائق الكماليّة التي تتصوّر في الإنسان وفي المرأة تتجلّى في هذه المرأة.
– جميع خواصّ الأنبياء موجودة فيها .
– بتربية رسول الله (صلى الله عليه وآله) (…) وصلت إلى مرتبة تقصر عنها أيدي الجميع.
– “مسألة مجيء جبرئيل إلى شخص ليست مسألة عاديّة، لا تتصوّر أنّ جبرئيل يأتي إلى أيّ شخص، أو أنّ من الممكن أن يأتي، إنّ هذا بحاجة إلى تناسب بين روح ذلك الشخص الذي يأتي جبرئيل إليه وبين مقام جبرئيل الذي هو الرّوح الأعظم”.. “هذا التّناسب كان قائماً بين جبرئيل الرّوح الأعظم، والدرجة الأولى من الأنبياء، كرسول الله وموسى وعيسى وإبراهيم وأمثالهم".
إنني أعتبر هذه الفضيلة للزّهراء (عليها السلام) على الرّغم من عَظَمة كلّ فضائلها الأخرى ـ أعتبرُها ـ أعلى فضائلها، حيث لم يتحقّق مثلُها لغير الأنبياء، بل لم يتحقّق مثلُها لجميع الأنبياء، وإنّما للطّبقة العليا منهم، ولِأعظمِ الأولياء الذين هم في رُتبتِهم، ولم تتحقّق لشخصٍ آخر. وهذه من الفضائل المختصّة بالصّدّيقة (عليها السلام)".
تعليق