التعامل مع حياة مبدع بوصفه كينونة مستقلة متمايزة، يحتاج الى وعي يوائم جمالية الفن وواقع التجربة الفكري.. وبهذا المفهوم كتب (علي فضيلة الشمري) في بحثه الموسوم (الدكتور مصطفى جمال الدين عالما وأديبا بين المحافظة والتجديد) موضحا ان حياة العلماء مدارس ومشاعل وهّاجة تنير الدرب وتضيء الطريق... ومن هذه الرؤية يدخل الى مساعي التيسير الفقهي الذي يعد سعيا من مساعي ترجيح الأثر الأكثر تمثلا لواقع المسلمين في اصلاح الواقع الاسلامي والتقريب بين المذاهب. ولابد من ان نتأمل مثل هذه الظاهرة في ذاتها وفي محيطها وفي ادواتها المعرفية حيث نجد ذهنية علمية منطقية سعت الى ترسيخ الوعي بما يسمى اليوم (فلسفة العلوم) والتي انتجت دراسات معاصرة لعلم العلامات دعى من خلالها الى تصنيف جديد للنحو، حتى عُدّ من اصحاب التيسير المعاصر فهو يشتغل على مساحة (ابن مضاء القرطبي) الذي يعد رائد (التيسيرية النحوية).
فلو تأملنا في رؤية الدكتور جمال الدين الى الاعراب لوجدنا انه يعتبره علامة دالة على معنى وليس معنى قائما لذاته أو بذاته فتقوم العلاقة الجمالية بين المبدع وموضوعه الفني على الخلق ـ الابتكار ـ الحركة المحرضة على الحداثة والجمال... والتميز البحثي هنا تعبير واضح ومهم لتصحيح مسار الدراسات النحوية التي دعى اليها السيد جمال الدين لتكون اقرب الى حقيقة النحو.. ثمة نصوص مشتركة بين الفقهاء والنحويين أهمها القرآن والسنة لكن يصعب التوحيد بين مناهجها البحثية لأن نظر النحوي الى النص القرآني يباين نظر الفقيه اليه؛ فالنحوي لديه دلالة النص قطعية، والفقيه يراها دلالة محمولة، ويحتوي البحث على اراء تحتاج الى مساحة نصية لنتدارك عمقها مثلا: قلة الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف الذي ارجعه السيد جمال الدين الى اسباب فكرية مذهبية وسياسية وللاوضاع المضطربة التي سار عليها النحاة الاوائل وسخرت من دعوى الرواية بالمعنى واللحن في رواية الحديث وبطبيعة الحال يرى اهل التاريخ ان السبب يكمن في الفترات الزمانية التي منع فيها تدوين ورواية الحديث النبوي الشريف ومن ثم يحلل على ان النحو اصل في الكتاب والفقه فرع مبني عليه.
والجميل ان تشعر ان السيد جمال الدين قد تجاوز الذات والموضوع تجاوز الغرضية، وتحولت لديه المعرفة الى رؤى جمالية واعية تتسع منهجيته لتشمل المسألة النحوية أولا ثم يتبعها بالمسألة الفقهية ثم يستخلص الحكم الفقهي على تفضيل القواعد النحوية، تذكرة مهذبة منفتحة مختصرة ثم يذكر ما يتفرع عليها من الفروع الفقهية..
هناك جهد نحوي لكن لا يصل في كل الاحوال الى جدية الجهد الفقهي في اتخاذ طرائق النحو والفقهاء بذلوا جهدا لتأسيس فني قائم على ربط علمي الفقه والنحو. هناك اضافة فكرية لا تنكر ـ ومتابعة لمسعى النحويين المنشغل بصياغة النوادر والتركيز على هدف العلماء مقدار حاجة الاصوليين الى علم النحو وطبيعة بحثهم ـ وارى جادا ان لتدوين حياة الشاعر جمال الدين قيمة جمالية لكونها تحمل تراكمات دلالية كبيرة لرجل حمل هموم وطنه وقضايا دينه فسعى الى التقريب بين المذاهب الفقهية للمسلمين من خلال دراسة التراث الفقهي لتقليص الفجوات وتوحيد المسلمين يصنفه (الآصفي) شاعرا من الرعيل الاول. ويراه الدكتور (زهير غازي زاهد) صوت متميز اينما حل. والباحث (تحسين فاضل المشهدي) يقول عنه: لم ينتمِ لأي حزب سياسي لأنه شاعر يؤمن بحريته في اختيار مواقفه. وثمة متعلقات دونت سيرته كاملة، وبما ان البحث لم ينشر فالمعول على اي تدوين ان يكون بمثابة مقدمة تدوينية تأخذ بالاعتبار بعض الهنات البسيطة التي نراها واضحة مثل اشغال الدكتور حسن منديل العكيلي مساحة واسعة داخل البحث الى درجة تشكيل رؤى اساسية خلقت مساحات نقدية مهمة قد تجير البحث لصالحه وكذلك وجود معلومات مكررة وبعض الاخطاء اللغوية ونجد ان مثل هذه النقاط البسيطة لاتثنينا عن مباركة هذا الجهد المتميز