إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أخلاق فاطمة الزهراء (عليها السلام)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أخلاق فاطمة الزهراء (عليها السلام)

    كانت فاطمة عليها السلام: "كريمة الخليقة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جريئة الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب العجب، لا يحدّدها ماديّ الخيلاء، ولا يثني أعطافها الزهوو الكبرياء.[1]
    لقد كانت سبطة الخليقة في سماحة وهوادة إلى رحابة صدر وسعة أناة في وقار وسكينة ورفق ورزانة ورصانة وعفة وصيانة.
    عاشت قبل وفاة أبيها متهلّلة العزة وضّاحة المحيّا حسنة البشر باسمة الثغر، ولم تغرب بسمتها إلاّ منذ وفاة أبيها صلى الله عليه وآله.
    كانت لا يجري لسانها بغير الحقّ ولا تنطق إلاّ بالصدق، لا تذكر أحداً بسوء، فلا غيبة ولا نميمة، ولا همز ولا لمز، تحفظ السرّ وتفي بالوعد، وتصدق النصح وتقبل العذر وتتجاوز عن الإساءة، فكثيراً ما أقالت العثرة وتلقّت الإساءة بالحلم والصفح.
    لقد كانت عزوفة عن الشرّ، ميّالة إلى الخير، أمينة، صدوقة في قولها، صادقة في نيّتها ووفائها، وكانت في الذروة العالية من العفاف، طاهرة الذيل عفيفة الطرف، لا يميل بها هواها، إذ هي من آل بيت النبيّ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
    وكانت إذا ما كلّمت إنساناً أو خطبت في الرجال يكون بينها وبينهم ستر يحجبها عنهم عفةً وصيانة.

    ومن عجيب صونها أنّها استقبحت بعد الوفاة ما يصنع بالنساء من أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها.[2]
    وكانت الزهراء عليها السلام زاهدةً قنوعة، موقنة بأنّ الحرص يفرّق القلب ويشتّت الأمر، مستمسكة بما قاله لها أبوها: "يا فاطمة! اصبري على مرارة الدنيا لتفوزي بنعيم الأبد" فكانت راضية باليسير من العيش، صابرة على شظف الحياة، قانعة بالقليل من الحلال، راضيةً مرضيّة، لا تطمح إلى ما لغيرها، ولا تستشرف ببصرها إلى ما ليس من حقّها، وما كانت تتنزّل إلى سؤال غير الله تعالى، فهي رمز لغنى النفس، كما قال أبوها صلى الله عليه وآله: (إنّما الغنى غنى النفس)[3]
    الزهراء (عليها السلام) هي قطب دائرة التعريف لأهل الكساء (صلوات الله عليهم اجمعين).
    لما سأل جبريل (عليه السلام) لما سأل الله تعالى عمَّن هو تحت الكساء، أجابه الله تعالى: (ُهمْ: فاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوها) فهي (سلام الله عليها)
    محور وقطب الامامة.
    فقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام): (إذا أردت أن تستخير الله تعالى وتطلب منه أن يهديك الى الخير فيما تريد الإقدام عليه فقل: اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها)[4].
    إنّها السيّدة البتول التي انقطعت إلى الله تعالى عن دنياها وعزفت عن زخارفها وصدفت عن غرورها وعرفت آفاتها، وصبرت على أداء مسؤولياتها وهي تعاني شظف العيش ولسانها رطب بذكر مولاها.
    لقد كان همّ الزهراء الآخرة، فلم تحفل بمباهج الدنيا وهي ترى إعراض أبيها صلى الله عليه وآله عن الدنيا وما فيها من متع ولذائذ وشهوات.
    وعرف عنها صبرها على البلاء وشكرها عند الرخاء ورضاها بواقع القضاء، وقد روت عن أبيها صلى الله عليه وآله: (إنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه)[5]
    وكانت على هدي أبيها في جوده وسخائه، وقد سمعته يقول: (السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، وأنّ الله سبحانه جواد يحبّ الجواد) وكان الإيثار من شعار المصطفى صلى الله عليه وآله حتى قالت بعض زوجاته: ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، وكان يقول صلى الله عليه وآله: (ولو شئنا لشبعنا ولكنّا نؤثر على أنفسنا)[6]، وكانت الزهراء خير من يؤثر على نفسه اقتداءً بأبيها حتى عُرف عنها ايثارها بقميص عرسها ليلة زفافها سلام الله عليها، وكفى بما أوردناه في سورة الدهر شاهداً على عظيم ايثارها وجميل سخائها.
    وروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة العصر، فلمّا انفتل جلس في قبلته والناس حوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل[7]، قد تهلّل وأخلق، ولا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله يستحثّه الخبر، فقال الشيخ: يا نبيّ الله، أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فأرشني، فقال صلى الله عليه وآله: (ما أجد لك شيئاً، ولكنّ الدالّ على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة. وكان بيتها ملاصقاً لبيت رسول الله صلى الله عليه وآله الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه وقال: "يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة."
    فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة; نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين، فقالت فاطمة: "عليك السلام، فمن أنت يا هذا؟" قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك السيد البشير من شقّة، وأنا يا بنت محمد صلى الله عليه وآله عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمكِ الله.
    وكان لفاطمة وعليّ ورسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك من شأنهما، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: "خذ أيّها الطارق، فعسى الله أن يختار لك ما هو خير فيه"، قال الأعرابي: يا بنت محمد، شكوت اليك الجوع فناولتني جلد كبش ما أصنع به مع ما أجد من السغب؟
    قال: فعمدت لمّا سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها ونبذته الى الأعرابي وقالت: "خذ وبعه، فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه".
    فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله والنبيّ جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله، أعطتني فاطمة هذا العقد، فقالت: "بعه"
    قال فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: كيف لا يعوّضك به ما هو خير منه وقد أعطتك فاطمة عليها السلام بنت محمد سيّدة بنات آدم؟!
    فقام عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: "اشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار"، فقال عمار: بكم العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي واُصلي بها لربّي ودينار يبلغني أهلي..
    وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله صلى الله عليه وآله من خيبر ولم يبق معه شيئاً، فقال: لك عشرون ديناراً ومئتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البرّ واللحم.
    فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال يا رجل! وانطلق به عمّار فوفاه فأضمن له، وعاد الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: "أشبعت واكتسيت؟" قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت واُمي قال: "فأجز فاطمة بصنيعها" فقال الأعرابي:
    اللهمّ إنّك إله ما استحدثناك ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت رازقنا على كلّ الجهات، اللهمّ أعطِ فاطمة ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت.
    فأمّن النبي على دعائه وأقبل على أصحابه، فقال: (إنّ الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك، أنا أبوها ولا أحد من العالمين مثلي، وعليّ بعلها ولولا عليّ; لما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا شباب أهل الجنة، وكان بإزائه مقداد وعمار وسلمان. فقال: "وأزيدكم؟ "، قالوا: نعم يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: "أتاني الروح ـ يعني جبرئيل ـ أنّها إذا هي قُبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها: من ربّك؟ فتقول: الله ربّي، فيقولان فمن نبيّك؟ فتقول: أبي، فمن وليّكِ؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري ألا وأزيدكم من فضلها؟ إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة فكأنّما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنّما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنّما زار عليّاً، ومن زار ذريّتهما فكأنّما زارهما"

    فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك، ولفّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العقد وادفعه لرسول الله وأنت له، فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بقول عمار، فقال النبي صلى الله عليه وآله: "انطلق الى فاطمة فادفع اليها العقد وأنت لها"، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذت فاطمة عليها السلام العقد وأعتقت المملوك فضحك الغلام، فقالت: "ما يضحكك يا غلام؟"، قال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً وكسى عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى ربّه)[8].
    وكانت تصبر على الجوع والأذى ولا تحرج زوجها، وفي السيرة أنّ علياً (عليه السلام) سأل فاطمة (عليه السلام): (يا فاطمة هل عندك شيء ؟ قالت : والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال : أفلا أخبرتني ؟ قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئا فقال : لا تسألين ابن عمك شيئا إن جاءك بشيء [ عفو ] وإلا فلا تسأليه .قال : فخرج (عليه السلام) فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا ثم أقبل به وقد أمسى ، فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد : ما أخرجك في هذه الساعة ؟ قال : الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي ؟ قال : ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي ، قال : فهو أخرجني وقد استقرضت دينارا وسأؤثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى فلما فرغت اجترت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم قال : يا فاطمة أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ألا أحدثك بمثلك ومثلها ؟ قال : بلى ، قال : مثلك مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال : يا مريم أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله)[9].
    لمست الزهراء عليها السلام من أبيها حبّه ومودّته وحنوّه وشفقته فكانت نعم البرّة به صلى الله عليه وآله، أخلصت له في حبّها وولائها وحنوّها ووفائها له، فآثرته على نفسها، وكانت تتولّى تدبير بيت أبيها (صلى الله عليه وآله) وتقوم بإدارته، فتنجز ما يصلحه وتبعث فيه الهدوء والراحة له، وكانت تسارع إلى كلّ ما يرضي أباها رسول الله صلى الله عليه وآله، تسكب له الماء ليغتسل وتهيّئ له طعامه وتغسل ثيابه ، فضلاً عن اشتراكها مع النساء في الغزو لحمل الطعام والشراب وسقاية الجرحى ومداواتهم، وفي غزوة اُحد هي التي داوت جراح أبيها حينما رأت أنّ الدم لا ينقطع، فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ثم ذرّته على الجرح فاستمسك الدم.. وجاءته في حفر الخندق بكسرة من خبز فرفعتها اليه فقال: (ما هذه يا فاطمة؟ قالت: من قرص اختبزته لابنيّ جئتك منه بهذه الكسرة، فقال: "يا بُنيّة: أما إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام)10
    [1] أهل البيت لتوفيق أبو علم: 132 ـ 134.
    [2] نفس المصدر.
    [3] نفس المصدر: 137
    [4] الحق المبين في معرفة المعصومين (عليهم السلام)، ص 302.
    [5] أهل البيت لتوفيق أبو علم: 137.
    [6] أهل البيت لتوفيق أبو علم: 138.
    [7] السمل: الثَوْبُ الخَلِق، وتهلُّل الثوب: انخراقه.
    [8] بحار الأنوار، ج 43، ص 56 ـ 58.
    [9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 14، ص 198.
    10راجع أهل البيت لتوفيق أبو علم: 141 ـ 142.




  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا
    مأجورين
    ​​​​

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X