بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
اللهم يارب الحسين بحق الحسين
اشف صدر الحسين بظهور الحجة عليهما السلام
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
اللهم يارب الحسين بحق الحسين
اشف صدر الحسين بظهور الحجة عليهما السلام
مُنذ أنْ هبط الحسين(عليه السلام) مِن رحم أُمِّه إلى حضنها الوثير، تلقَّفته الأحضان مِن حِضن إلى حِضن، وبقي ينمو ولا يدري أيَّ حِضن هو الأرفه والأوثر ـ لقد أمَّ الحياة صغيراً ضئيلا ـ لم تكن ولادته وهو في شهره السادس إلاَّ نحيلة كنُحول أمِّه(عليها السلام) في خشبة جَسدها، وما احتاك به مِن زهيد الشحم والدم؛ مِن هنا كانت الولادة نحيفة رهيفة، كالمصدر الذي انزلقت عنه ـ غير أنَّ الأحضان التي سربلته بأكثر مِن دثار، نشَّطت فيه طاقات عجيبة مِن التدلُّه النفسي الروحي ـ ما شَحَّ انعكاسه على عضلاته وألياف أعصابه، فإذا هو كأنَّه رشأ يملأ البيت حركة ودلعا ورواء، وإذا هو أكثر مِن جاذبيَّة شغف بها المُحيط كلَّه، مِن ساحة الدار التي تُظلِّلها شجرة واحدة اسمها (الآراك)؛ إلى داخل البيت الذي كانت حيطانه وسقفه ترشح بما لا يعرف مِن أيِّ ضَوْعٍ هو، لقد راح الفتى يشعر أنَّه دلاَّعة البيت وهزَّته الصغيرة، وكانت النشوة فيه تحتار مِن أين تأتيها الإشارة، فبينا يغرق فيها في حِضن أُمِّه(عليها السلام)، كأنَّه حرير مُبطَّن بمخمل، إذا هي ـ في عُبِّ أبيه(عليهما السلام) ـ كأنَّها إعصار يتناحل في نسمة الصبح، أمَّا في حِضن جَدِّه (صلّى الله عليه وآله) وتحت عينيه، الناضحتين بالحُبِّ، فكأنَّها شعاع دفءٍ هابط مِن كُوَّتين، هما مِن بهجة الصباح أنقى وأزهى.
وهنالك حِضن رابع كان يتعب وهو يتلقَّط به ليحتويه، وهو حِضن الحسن أخيه(عليه السلام) الذي يزيده بالعُمر سنة وعِدَّة أشهُر، ولم يكن يعرف الحسين(عليه السلام) أيَّ طعم كان يتلذَّذ به وهو مضموم إلى صدر أخيه(عليه السلام)، كأنَّه نَكهة معجونة بسويق لا اسم له، تلك هي الأحضان التي احتوت الحسين(عليه السلام) مُنذ أَمَّ الحياة، وراح يدرج في البيت إلى أنْ تركه جَدُّه الكبير في حِضنٍ راح يُفسِّر له ـ بالتدريج ـ كلَّ معاني الأحضان التي احتوته طفلاً، وحضَّرته ـ بدوره ـ لأنْ يكون حِضناً يتناول الرسالة إلى صدره، وينفخ فيها نفساً مقدوداً مِن صدره المليء بالعُنفوان.
لقد ضاع الحسين (عليه السلام) في تعيين أيِّ حِضن تدلَّه فيه، كان أعطف وأرهف مِن الآخر؟ ولكنَّه ـ بالحقيقة البارزة ـ كان مُشتقَّاً منها جميعها على توحيد والتزام ـ لقد ضمَّته جميعها، لأنَّها كلَّها كانت حدوده في المبدأ وفي صيانة الجوهر، أنَّه مِن هذه الصياغة الكبيرة التي احتضنها الطالبيُّون الهاشميُّون، فإذا بها مِمَّن مَرَّ أنَّها في النفس تتفتَّق عن رسالة تفوَّه بها الطالبيُّ الهاشميُّ، فارتدَّت إلى الأُمَّة العظيمة أمانتها المحفوظة في عقل وجُهد نبيِّها العظيم محمد (صلّى الله عليه وآله).
إنَّ القصد المنسول مِن هذه الرسالة، التي حقَّقت ذاتها فوق الأرض وتحت ظلال السماء، هي التي وسَّعت ودفَّأت الأحضان التي انغلقت كلُّها بالتساوي على تعهُّد الحسن والحسين (عليهما السلام)، ليكونا ضِلعين مُخصَّصين لرعاية الخَطِّ الطويل، إنَّما مِن أهل بيت حدوده في سوارٍ مِن نبوَّة أنتجت رسالة تتحدَّد بها الأُمَّة، ويتحدَّد بها الزمان الجديد، ويتحدَّد بها الإنسان الجديد.
تعليق