تويت
تستطيع نصوص أي مجموعة قصصية أن تعيش دون الناقد، لكنها لا تقدر ان ترى النور دون القارئ ، لذلك أنا اعتذر حين أبحث في نصوص المجموعة القصصية ( تيه الورد ) للقاصة زينب ناصر ألأسدي ،كقارئ دون النظر الى المعايير الاكاديمية بحرفة ناقد ، القراءة عندي تعني الاقتراب من جوهر التفاعل النصي، ورصد اليآت السرد ومكوناتها الجمالية وهذا يبرر لي البحث عن الرأي والموقف والتصور واستكشاف الأسلوب السردي وأنماط الدلالات عبر الانطباع والذائقة وخبر القراءة والبحث عن الذات والرؤية والصور الذهنية التي علقت الذاكرة ، بفعل ما امتلكت من الأساليب السردية التي منحت المجموعة التنوع الأسلوبي
&&&
أولا...... ( العنوان )
يمثل العنوان في ( تيه الورد ) مجموعة من الدلائل الجمالية الساعية إلى جذب المتلقي كقصد دلالي يشكل الصورة الذهنية باستخلاص بنية دلالية قد تكون إيحائية والعنوان الرئيسي لمجموعة تيه الورد أشتق من احدى عناوين قصصها وهي القصة الخامسة ، والعنوان على العموم في هذه المجموعة عبارة عن لعبة فنية تشغل متلقيها بايجاد المدلول الذي يرتكز عليه العنوان و؟أغلب العناوين عندها صور رمزية ، العنوان رمزي يمنحها التأمل والتدبر والبحث عبر هذه الثريا عن موقع التيه ، بمعنى ان العناوين لا تعبر عن مضامين نصوصها بطريقة مباشر ة أو ينقل عنها بوضوح ، أغلب العناوين الفرعية هي انزياحات وعلى المتلقي تقع عملية البحث عن العلائق ،التي تربط العنوان بالنص ، العناوين لها سمات انزياحية مثل ( مذاق باهت ) أنزياح له علاقة خفية بالنص لكون النص يتحدث عن بائع شربت الزبيب ، المذاق له صفة الباهت وبعض النقاد يركزون على ان يكون العنوان مفسرا للمادة السردية بشكل مباشر ، عناوين هذه المجموعة عناوين شعر تميل الى التجريد ،معظم تلك العناوين انزياحات منها التضاد ( دفء الجليد ) مفارقة شعرية ( تراتيل معطلة ) ( زغاريد ملثمة ) ولهذا نجدها متقنة غير بسيطة وتقنية العنوان بهذه الصورة جعلتها تثير الدهشة وكسرها أفق التوقع ، وتحتاج الى قراءة معمقة لفك دلالات العناوين الملغزة ( حفيف الحزن ) أو نقرأ ( بوح القرنفل / هديل الجنوب / شجون عابرة /صمت الياسمين وبعد قراءة كل نص ينفتح باب تأويل العنوان مكمن الإثارة / بعضها يصدم المتلقي مثل ( صخب الأسئلة)أو ( زغاريد ملثمة ) العنوان يقوم بوظيفة جمالية كونه انزياحا ،
&&&&
ثانيا ............ الشخصية
تعتبر الشخصية من أهم عناصر البنية السردية لفاعليته في العمل السردي ، بها ينهض الصراع الإنساني وينشط الفكرة ، الشخصيات هي التي تولد الأحداث من خلال ما تمارسه باقامة علاقات في ما بينها ، وجميع شخوص الكاتبة الاسدي هي شخوص حقيقية تميزت بطابعها الانساني ومعاناتها التي تعيشها مع الناس ، و هي تعاني من الفقر / اليتم / الظلم / العنف ولديها حلم العيش بطريقة أـفضل
لذلك تكون عصب القصة ومحركها ، سعت ان لا تبرز وجه الظالم بتركيز كي تشعر المتلقي إن تلك الشخصيات مهما كان فعلها جبارا فهي الى زوال ، تنقسم الشخصيات في المجموعة الى بسيطة ومركبة ، الشخصيات البسيطة هي شخصيات تعكس الهم العام ، الشخصيات الرئيسية هي شخصيات عميقة رغم بساطتها امثال شخصية ( أ بو صبحي ) في قصة ( مذاق باهت ) رجل كاسب لديه عربة لبيع الشربت ، امام شواهد من الشخصيات الراوي الطالب / الفتاة البرجوازية التي تقد م الشربت لكلبها وناس مصابون بالسكر وأطفال تمردوا على الشربت وتغزلوا بعلب العصائر المسلفنة ، الشخصية المهمومة والرئيسية شخصية ابو صبحي أمام شخصية مسطحة مثل شخصية الفتاة ،( مرت فتاة حنطية اللون ضامرة ترتدي نظارة شمسية نعلو أنفا دقيقا وشفتين رقيقتين تجر خلفها جروا لاهثا يتمرغ بين قدميها ، طغى عطرها في الفراغ المحيط به من كل جانب ( ص10 ) وكأنها وضعتها بشكل قصدي امام الشخصية العميقة ( يمسح بكوفيته المتدلية حبات العرق النازل من جبينه متبرما من حرارة الصيف ) ص، 5أبو صبحي وشخصيات أخرى عميقة لكنها شفافة مثل شخصية ( صاحب الاسئلة ) أستاذ سامر رجل أرمل لديه اطفال ايتام يبحث عن شريكة حياة امرأة واعية لتأخذ دور الأم لأولئك الاطفال ، وشخصية وداد المثقفة الواعية التي تعيشنا أجواء الألفة من خلال قبولها بتحمل المسؤولية ، قبولها محط تفاؤل ان العالم ما زال فيه الخير ، والخير الكثير ، وتأتي الموافقة من خلال جملة تلميحية ، حين تنادي وداد طفلة سامر
:ـ غيداء اعطني دفترك نسيت ان اوقعه ) ص6
ولأن معظم الشخصيات تعاني من الهم العام ، جعلت المتلقي يتعاطف وجدانيا مع الشخصية الحية المتحركة فيه وجدانيا ، وجعلت بطولة الشخصيات موزعة لأكثر من شخصية ، العظمة ترتسم أحيانا على شخصيات تمر على خاطر القصة ، وأحيانا تتعمق بألاداء وتمتلك الأثر الفعال لشخصيات قادرة على توالدية الاحداث ، ومن شخصيات البؤرة شخصية بدور في قصة تيه الورد الشابة التي تعمل في مغتسل الاموات في يومها الأول وشخصية الأب والجدة وشخصية الفتاة التي مثلت دور الميتى وشخصية أخرى غائبة عن الورق حاضرة في ذاكرة بدور ،من خلال سؤالها المعمق ، هل حقا أنتحرت أمي ؟ لماذا ، وتكتفي بهذا السؤال ليتفاعل بذهن متلقيها ، هناك تنوع في مهام كل شخصية تصبغ القصة على منوالها لأن مدار الأحداث يقع عليها ، ففي قصة ( زغاريد ملثمة ) نجد الروح العاشقة عند سحر وحبيبها ورضا وسامية ، ليصبح الاشخاص الثانويين يعلون أهمية عن الشخصيات الرئيسية ( هذه مصاريف العرس لم أعد بحاجة اليها انها هدية لك ) ليأتي الصوت بعد شهور من رضا ويبشرهم :ـ سامية حامل ، شخصية سامية هي ممولة الاحداث الاستباقية الممتدة الى ما بعد زمن القصة كونها حامل ، هناك وليد سيلد وسيكبر وسيكون هو البطل يحمل جذوة العقل التضحوي ، وتنصهر اليات الصراع في قضية ( شجون عابرة ) بين شخصيتين متضادتين شخصية سمر المعلمة الأيجابية التصرف والمديرة التي سرقت جهد المعلمة سمر وباليات المشروع المسروق اقالت مديرة المشروع الحقيقية عن وظيفتها ازاحتها بعدما سرقت مشروعها لتصبح المعلمة هي ضمن الشخصيات المقهورة ، كما هي شخصية سلمى في قصة ( صمت الياسمين ) أو اليتيم حمدي في قصة ( حفيف الحزن ) مثلما سعت الى رسم الأبعاد عن طريق الوصف لترسخ لنا البعد الحسي والنفسي والاجتماعي والفكري بوضوح ، وعمدت الى رسم شخصيات معقدة ومركبة لتكون فيها مساحة خيال أي وجود شخصيات واقعية في المجموعة يجملها احيانا مسحة من الخيال ووجود خيال نظير موضوعي للأحداث والشخصية المركبة مثل شخصية عماد التي تشكلت احداثها من خطين الاول واقعي والثاني التعالق مع شخصيات تاريخية / الجندي / الراهب ، وتتعامل مع شخصيات غريبة تشيد غرابة المشهد مثل ابو جابر/ الشيخ صابر / الشرطة ، شخصية عماد شديدة التعقيد في بنائها وعلاقاتها بطل قصة ( ذبول المسافات ) لتتداخل تداخلا معنويا في ذهنية المتلقي أمل وزوجها ، ونجد شخصيات امارسين / كالبوم / كما ركزت على لعبة الاسماء بما تحمل من دلالات ومعاني تنطبق على شخصياتها مثل أبو صبحي / أحمد الهاشمي / أبو محمود / عماد / سامر ، وشخصية بدور وما تمنحه من دلالات مع مع علي في بوح القرنفل ، كل الأسماء تقريبا لها دلالات ومعاني ، تدل على التمازج الصورة الواعية على القدر ،
&&&&&
ثالثا ..... شعرية السرد
الشعرية تعني الخلق والخروج عن الإخبار والتقريرية ولغة التغير والتي تؤدي الى تسطيح النص ، والقاصة زينب الأسدي اشتغلت على تعددية التأويل الوصف من أهم العناصر الجمالية التي نزيد مساحة التخييل ، الساعية الى ابراز الصورة التي تقدم الشخصيات وتعبر عن المواقف والمشاعر والانفعالات وردود الافعال فيعطي السمة المتميزة لقصصها ( ففي قصة ( مذاق باهت ) تصف الصيف ( الضيف الثقيل الذي لايكل مغازلة عثوق النخل ، لتنتشي هي الأخرى وتهديد سلال البرحي بكرم وارف ) ص5 ويرى بعض النقاد بأن الوصف رسم لصورة الأشياء بعلم الفن والحياة ، نجدها تصف أغصان شجرة الكاربس ( افترشت اغصان شجرة الكاربس ورفيقاتها الأرض كجثة هامدة دون حراك تلفظ آخر انفاس الوجود ) ص7 تبحث عن جمالية الشعر في وصفها بعيدا عن هذه المبالغة والاسهاب واحيانا تستعمل الايجاز هذا الومض لتضيف جمالية الى المشهد ( تمشيط شعر طويل لغادة مبتورة الذراعين ، أو التحدث ليافع أعمى عن التناغم الفريد بين الالوان في لوحة الموجة التاسعة ( ايفازو فسكي )وهي لوحة بريشة الرسام الروسي ايفان ايفازوفسكي ) رسمت عام 1850 وتصنف لبانها أجمل لوحة في روسيا ، وربما ذكرت هذه اللوحة لكونها تعبر عن المحاولات اليائسة للبقاء على قيد الحياة ، فتقول في وضفها الشعري ( الامر الذي يدعو الى الوهم بان البحارة ربما يتمكنون من النجاة لكننا نعرف ان هذا شبه مستحيل ) ص8
الوصف جزء من تفاصيل السرد ويشكل كثيرا من احاديث الناس ليعبر عما يراه وما يحيط به من كائنات أو اشياء جامدة أو حية ، تصف لنا القاصة قالب الثلج وهو يموع يذوب ( أنهالت كبب الشمس كرشق السهام على قالب الثلج المعد لتبريد الشراب لتصيبه بنزف متواصل ) ص11
نقل صورة العالم الخارجي من خلال الكتابة كما يرى اهل النقد تقوم مقام الالوان لدى الرسام والنغم لدى المو سيقي نقرأ (( طلعت خيوط النهار خجلى تفتح عينا ناعسة على الطبيعة ) ص16 وقد يوصف الكاتب الزمن أو جزء من النهار/ الليل / الغبش بطريقته ، وجمالية اسلوب زينب الاسدي يصف ( بدأ السحر يجرجر اثوابه تاركا المسرح لخيوط النهار ) ص30 وفي قصة ( تراتيل معطلة )وتصف الشمس ( كانت الشمس تنزلق بحنو تطرز بخيوطها اللامعة الأفق بالشفق الذهبي ) ص36 تصف لنا مشهدا كاملا وصفا سرديا تعالج المشهد شعريا ، فلو نتابع المشهد الوصفي ( فتح الأخير عينيه وسمرها في عيني الافعى التي باتت قريبة منه تكاد تلتف حوله وكأنهما بدأ يتحدثان حديثا صامتا حروفها النظرات ، حديثا غريبا بين أثنين تعايشا في أحضان أمهما الخليقة فالفا لغة الصمت وتحاور النفوس ) تصل الى مفهوم استعمال الشعلارية هنا لايختص بالوصف وتصوير المشاهد أو تقديم الشخصيات وأنما تعبر عن حكمة وجماليتها في بلورة شعريتها
( هناك اناس كالمطر ينهمرون فوق كل شيء وحدها الأرض الحيطة تخرج الثمر ، المهم أن يهطلوا )42
وبعض الومضات التي تتخلل القصص في اقرب ما يكون من قصيدة النثر ، نكثف وصور منه ودلالات
( أريد أن اشتري يندقية
وتمتمت
ـ:ـ لأعبد الله بطريقتي
هناك امكانية العودة لهذا المجموعة لدراسة الحوار / المكان / الحكمة ودراسة نادرة تتفرد بها هي اللغة التهكمية
مجموعة تيه الورد مجموعة يافعة سوف تقول ما تريد براحتها ولن تسكت