جاء في إحدى الحكايات القديمة، مذكرات ملك غضوب، كان يتصرف دائماً ببلاهة شديدة، ولكن الحسنة الوحيدة التي استثمرها، انه احتفظ بوزير صبور مؤمن مثقف، يعرف حدود الله، ومتفائل جدا في حكم الله تعالى؛ وقد خبر الحياة، وعرف تقلباتها.
يُقال أن الملك تعرض يوما لحادث تسبب بقطع اصبعه، وراح يقفز من شدة الألم، ويبكي وجعاً؛ وفجأة نظر إلى وزيره الصالح فوجده يبتسم، وهو يقول: (إن شاء الله خير...!). ردّ الملك بغضب: وأي خير هذا الذي يقطع لي اصبعي؟ أي خير؟ وتهجم حينها على وزيره الصابر، وأمر بسجنه، وإذا به يسمعه يقول: (إن شاء الله خير).
ولم ينتهِ الموضوع عند هذا الحد، بل بقي الملك يفور من الغضب، فهو لايريد أن تمر الحادثة دون عقوبة أحد، أي أحد... ولا يريد أن يفقد هذا الوزير لكونه يعرف مكانته؛ فأوصاه أحد رجالات الحاشية بالخروج للصيد ترويحاً عن النفس، فخرج الملك في رحلة، انتهت به الى عاصفة شديدة تاه على أثرها، وبقي يمشي في الصحراء تائها دون دليل؛ ضاعت منه هيبة الملك، جاع وعطش إلى أن وقع أسيراً عند وحوش بشرية...!
قيدوا الملك، وعلقوه، ليقدموه بعد أيام قرباناً من قرابين الآلهة. وهكذا صارت تمر الساعات قاتلة على الملك، وهو يتذكر لعنة وزيره، وصار يكرر مع نفسه: (إن شاء الله خير)؛ ويسأل نفسه: أين هو الخير؟ هل هذا هو الخير الذي أشار إليه الوزير؟ لاحظ أحدُهم أن اصبع القربان مقطوع، فثارت ثائرة القوم، وأخذوا يتصايحون مع بعضهم البعض، الجميع لايريد قرباناً ناقصاً، وعليه أصدر رئيس القبيلة قرارا باطلاق سراح الأسير دون شرط أو قيد.
وعاد الملك الى عرشه، وهو يكرر مقولة الوزير: (إن شاء الله خير)، لكنه فجأة وقف تفكيره أمام جملة الوزير الثانية، أرسل إليه ليقول له:ـ الخير الذي في قطع اصبعي توضح رشده، فما هو الخير في سجنك؟
فقال الوزير:- لو لم أسجن لكنت معك في رحلة الصيد، وكنت قد تعرضت معك للعاصفة، وانتهى بي الأمر أن أكون أنا القربان المناسب لهم؟! فالحمد لله على السجن.
ويؤكد المؤرخون، أن هذا الملك أصبح من أكثر الناس الذين يكررون: (إن شاء الله خير... خير إن شاء الله)، واعتبر بهذه الحكمة، وصار يحكم الناس بالعدل والعقل والإنصاف.
أعجبني
تعليق