مسرحية... حكاية الجرح الكاظمي
علي حسين الخباز
2023-02-15
قراءات: 45
(تظهر غرفة الشاعر في إحدى زوايا المسرح وهو يكتب)
الشاعر: ـ من ربيع الشجى إلى مديات وحدها الدمع..
أجيئك يا علي بن يقطين
عطشا يبحث عن ندى يبل شفاه الحنين..
عن رواء.. عساني أحمله لهذه الناس المحتشدة اليوم على باب الجراح مواساة لسيدها كاظم الغيظ..
فمد يد يومك لي كي آتيك..
(ينفتح وسط المسرح طريق - مارة تترقب - صوت الطبول التي تقرع تتقدم صوب الطريق)
الحرسي: ـ فرمان الخليفة.. فرمان.. فرمان الخليفة أمير المؤمنين مروان أعز الله ملكه القويم... أمر الخليفة أعز الله ملكه القويم بالموت على الخائن يقطين.. وعلى من يعثر عليه تسليمه إلى عاملنا على الكوفة.. والموت لمن يتستر عليه وحاضركم يبلغ غائبكم.. (يستمر قرع الطبول)
(يظهر الشاعر وهو في أحد الأزقة المرعوبة وهو يتفرج)
(رجل يهرول خائفاً يتجه صوب أحد البيوت)
الرجل: ـ أم علي.. أم علي، الفرمان يطلب زوجك يقطين ونحن هربناه.. فاهربي وطفليك؛ كي لا تكونوا رهينة جور..
(من إحدى زوايا المسرح)
علي بن يقطين: ـ هل رأيت بعينك... أنا ابن ذاك اليقطين الذي تقاسمته سيوف الوعيد في فرمانات الخليفة مروان الحمار، آخر خلفاء بني أمية.. أنا ابن تلك المرأة التي لملمت صباحات بنيها؛ كي لا يمسهن ليل..
الشاعر: ـ لابد من غبطة فجر تزيل عتمة ليل أهوج..
علي بن يقطين: ـ هوت عروش واعتلت عروش.. ابو العباس السفاح، وابو جعفر المنصور، والمهدي العباسي..
الشاعر: ـ نحن نعرف أن أباك لاحقته مواريث الوشاية بتهمة التشيع حتى مات..
علي بن يقطين: ـ فكنت أنا البديل الذي لاحقتني العروش فتيا، عروش ميتة صرت وزيرا للرشيد، ومولاي موسى بن جعفر أوصاني بالقبول بمنصبي.. أرادني فيئا يستظل به المظلومين داخل عروش الطغاة..
الشاعر: ـ حملنا ولاءك منهجاً علمنا معنى الوفاء.. فحدثنا عن سيد الصبر وكاظم الغيظ مولاي موسى بن جعفر (عليه السلام)..
علي بن يقطين: ـ صهلت نصرة أهل البيت (عليهم السلام) عند دولة بني العباس، حتى استقرت أركانها، فأشهروا سيف العداء إلى الوارث الشرعي لشجرة النبوة، وهو آية من آيات العلم والشجاعة..
الشاعر: ـ السلام عليك يا منبع العلم والنور واليقين..
علي بن يقطين: ـ استعانت النصارى بكبيرهم يوماً ليحاور كاظم الغيظ...
(في جانب من جوانب المسرح - قرع طبول مهموس الصوت، رجال يقفون بمعية النصراني وهو يحاور الإمام عليه السلام)
النصراني: ـ أخبرني عن كتاب الله بما وصفه: (حم {الدخان/1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ {الدخان/2} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ..) ما هو تفسيرها الباطني...؟
النصراني: ـ حم...؟
الإمام عليه السلام: ـ هو محمد (ص) وهو موجود في كتاب هود الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف.
النصراني: ـ والكتاب المبين...؟
الإمام عليه السلام: ـ هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
النصراني: ـ والليلة المباركة...؟
الإمام عليه السلام: ـ فاطمة الزهراء عليها السلام.. فدعني أنا أسألك...؟
النصراني: ـ سل ما تريد...؟
الإمام عليه السلام: ـ ما اسم أم مريم...؟
النصراني: ـ لا أعلم...!
الإمام عليه السلام: ـ اسمها مرثا وتعني وهيبة بالعربية.. في أي يوم حملت في عيسى عليه السلام؟
النصراني: ـ لا أعلم...!
الإمام عليه السلام: ـ يوم الجمعة وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين عليه السلام، وفي أي يوم وضعت وليدها عليها السلام؟
النصراني: ـ لا أعلم..
الإمام عليه السلام: ـ يوم الثلاثاء.. وعلى أي نهر كان؟
النصراني: ـ لا أعلم..
الإمام عليه السلام: ـ هو الفرات وعليه شجر النخيل..
النصراني: ـ هل تعلم ما اسمي...؟
الإمام عليه السلام: ـ اسمك عبد الصليب ابن عبد المسيح، وجدك جبريل..
النصراني: ـ ماذا ستسميني...؟
الإمام عليه السلام: ـ سأسميك عبد الله..
النصراني: ـ إني آمنت بالله العظيم فردا صمداً واحداً لا شريك له.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. وإنكم أهل بيت رسول الله معدن التنزيل..
النصراني (يخلع صليبه): ـ أضع صدقتي حيث تأمرني..
الإمام عليه السلام: ـ لك أخ كان على دينك وأسلم..
النصراني: ـ من أي قبيلة...؟
الإمام عليه السلام: ـ من قيس بن ثعلبة..
النصراني: ـ حياه الله..
(يتحول المشهد الى الشاعر وهو في بيت علي بن يقطين)
الشاعر: ـ طوبى لك سيدي.. يقول عنك مولاي الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: (أشهد أن علي بن يقطين من أهل الجنة، ونحن نجدك رايات وأسياف ترد إلى الهدى.. هذي الرياح التي تعصف بنا من كل صوب وتروينا من سبيل الذاكرة..
علي بن يقطين: ـ يرتعش الكون في ظل جفن يقف على شرفات عرش في منتصف ليل.
(تتحول الإنارة إلى عرش الخليفة المهدي العباسي)
الخليفة المهدي: ـ أريد حميد بن قحطبة الآن..
الوزير: ـ سنأتي به الآن..
تنتقل الانارة الى أحد جوانب المسرح عند قبر النبي (ص)، حيث هارون الرشيد يزور ومعه رجالات الحرس والحكومة وبعض رجال قريش)
هارون: - كيف تقولون نحن ذرية رسول الله (ص) وأنتم بنو علي، وإنما ينسب الرجل دون جده لأمه..
الإمام الكاظم عليه السلام: - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (وَوَهَبنَا لَهُ إِسحَاقَ وَيَعقُوبَ كُلاًّ هَدَينَا وَنُوحاً هَدَينَا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ، وَزَكَرِيا وَيَحيَى وَعِيسَى وَإِليَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ) وليس لعيسى أب.. وإنما أُلحقَ بذرية الأنبياء من قبل أمه.. وكذلك ألحقنا بذرية النبي من قبل أمنا فاطمة الزهراء (عليها السلام).
هارون: ـ والدليل...؟
الكاظم عليه السلام: ـ قول الله عز وجل: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لعنَةَ اللّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ) ولم يدعُ (ص) عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء..
(يعود المشهد إلى بيت علي بن يقطين)
الشاعر: - ألم يكن الأولى تزكية الولاء، احتواء أهل البيت (عليهم السلام) ليكونوا عون رشاد.. أم يا ترى فدك هي التي تنداح في دفق الفتون.. صراع يعمر لهم الحقد والحسد؟
(يتحول المشهد إلى قبر النبي ص)
هارون: - يا أبا الحسن.. خذ فدكاً حتى أردها عليك..
(تتحول الإنارة لبيت علي بن يقطين)
علي بن يقطين: - أبى مولاي أبو الجوادين.. حتى ألحّ عليه هارون الطلب..
(تعود الإنارة إلى المقبرة)
الكاظم (عليه السلام): - لا آخذها إلا بحدودها..
هارون: - وما حدودها؟
الكاظم عليه السلام: - إن حددتها لم تردّها...!
هارون: - بحق جدك إلا فعلت..
الكاظم عليه السلام: - الحد الاول فعدن..
هارون (تغير وجه): - هيه.. عدن؟
الكاظم عليه السلام: - الحد الثاني سمرقند..
هارون (أربد وجهه) ...
الكاظم عليه السلام: - الحد الثالث أفريقيا..
هارون (اسودّ وجهه) ... هي..
الكاظم عليه السلام: - الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرميا..
هارون (بغضب): - لم يبقَ لنا شيء.. فخذ العرش واجلس أنت عليه..
الكاظم عليه السلام: - أنا أعلمتك إنما أن حددتها لم تردها..
(تنتقل الإنارة إلى بيت علي بني يقطين)
علي بن يقطين: - انسحب هارون وهو يقول لجماعته: شخص مثل هذا لا بد أن يقتل.. ومن الغريب أن يقف هارون أمام قبر النبي (ص).
(تتحول الإنارة إلى قبر النبي)
هارون: - بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. إني أعتذر عليك من أمر عزمت عليه: أنا أريد أن آخذ موسى بن جعفر فاحبسه؛ لأني خشيت أن يعلن بين أمتك حربا يسفك فيها الدم..
(تعود الإنارة إلى بيت علي بن يقطين)
علي بن يقطين: - غبي هذا الرشيد إن ظنّ أن هذا الاعتذار يحيده عن المسؤولية أمام الله والتاريخ..
(تعود الإنارة إلى قبر النبي ص)
هارون: - اعتقلوا موسى بن جعفر.. (يُرفع الإمام من صلاته ويُحمل بعد أن يُقيّد)
: - اين حسان السروي...؟
حسان: - نعم مولاي..
هارون: - لا بد من إخفاء جهة سجنه، فلْتُهيأ قبتان، واستروهما بالثياب الرومية، ومع كل قبة ارسلوا خيلاً ورجالاً.. واحدة للبصرة وفيها موسى بن جعفر.. والأخرى تذهب إلى الكوفة للتمويه..
(تسلط الإنارة على بيت بن يقطين)
الشاعر: - رغم كل هذا الزمن الفاصل بيني وبين الحكاية، أشعر أنها ابنة زمني أو ربما أنا ابنها الغائر في المعنى..
علي بن يقطين: - حكاية إمام لا تنام، وتنهض كل يوم بهيئة وجدان يهز الكون.. والبصرة تراتيل دمع غيور..
(تسلط الإنارة على مجلس أمير البصرة.. يدخل حسان السروي القائد المسؤول عن نقل الإمام الكاظم إلى سجن البصرة ومعه الكاظم عليه السلام مقيدا)
حسان: - سيدي والي البصرة عيسى بن جعفر سلام عليكم..
والي البصرة: - عليكم السلام، من هذا السجين الذي معك؟ ولماذا أتيت به إلى مجلسي؟
حسان: - هذا هو موسى بن جعفر أرسله الخليفة لك لتحبسه..
والي البصرة: - خذوه إلى بيت من بيوت المحبس..
(تسلط الإنارة عند بيت علي بن يقطين)
الشاعر: - إمامٌ يُوقظ الليل ليصلي في سجن نبذته البراءة، ويعلمهم معنى الحياة..
علي بن يقطين: - انتشرَ في السجن عبق الهدى فأحبوه..
(تنتقل الإنارة إلى مجلس أمير البصرة)
الكاتب: - بريد الخليفة.. لقد وصل يا سيدي الأمير..
والي البصرة: - هل فيه شيء جديد...؟
الكاتب: - كالعادة سيدي.. يطالبك بقتل موسى بن جعفر...!
والي البصرة: - حرام أن يهدر دم إمام، ماذا يريدون من رجل يمتلك الصلاح والعبادة والتقوى يصوم النهار ويقوم الليل، لديه من أهل البصرة أصحاب علماء يزورونه كل يوم..
(تنتقل الإنارة إلى بيت علي بن يقطين)
علي بن يقطين: - أحبه والي البصرة.. ولهذا ترك مجالا للعلماء لزيارته.. فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروى عنه ومعه
(فجأة دخل العباس بن محمد..)
(نقطة ضوء تنتقل الإنارة إلى باحة نفس الدار/ الفضل مجرد من ثيابه.. والسندي يضربه مائة جلدة.. والفضل يتوجع)
العباس بن محمد: - احملوا موسى بن جعفر لبيت السندي بن شاهك..
(تنتقل الإنارة إلى بيت علي بن يقطين)
الشاعر: - سمروا الصلاة في سجوده (يطرقون المسامير بقربه كحد) وقيدوا التراتيل في صفد العناد (يقيدون قدم الكاظم عليه السلام) ثم حبسوا البسملة (يغلقون الباب) كي يستريح الطغاة على لعنات عتيقة..
(برهة صمت حزين تمر على السجن الكئيب لتستعرض الإنارة محتويات الغرفة البائسة)
(باب السجن يفتح)
الحرس: - الوزير يحيى البرمكي..
(يتجول يحيى البرمكي مع خاصته في السجن، ينظر إلى الإمام عليه السلام بحزن مفتعل)
الوزير يحيى البرمكي: - جئت أزورك وأطمئن عليك، وأنقل لك مودة الخليفة، وقد أقسم على إطلاق سراحك.. (صمت) لكن بشريطة أن تعتذر..
(تنتقل الإنارة إلى بيت علي بن يقطين)
الشاعر: - لقد هدموا كل جسور التواصل بين الأرض والسماء.. يطالبون السجين بالاعتذار من السجان، وله منزلة إمام معصوم، ويعجبون كيف لا تأثم فينا الدروب..
علي بن يقطين: - هو ليس اعتذاراً يطلبه هارون.. بل السعي لإذلال إمام.. وإظهار ضعف حاله؛ لأنه يعلم أن القسوةَ فتاكة، ولتحملِ الإنسانِ طاقة..
(تعود الإنارة لسجن السندي)
الإمام موسى بن جعفر: - سيقع الفراق بيني وبين هارون عاجلا.. وسيحقق هارون ما يريد..
صوت هارون: - يا سندي بن شاهك...
السندي (يبحث عن مكان الصوت): - نعم مولاي الخليفة...؟
هارون: ـ دس له السم في طعامه وخلصني..
(تتحول الإنارة لبيت علي بن يقطين)
الشاعر: - ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))
علي بن يقطين: - كانت عائلة السندي تطل عليه فترى هذه السيرة الزكيّة التي تحاكي سيرة الأنبياء، ممّا دفع شقيقة السندي إلى اعتناق فكرة الإمامة، وأن يكون حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.. سيرة مترعة بجميع معاني النبل والزهد والسمو والإقبال على الله تعالى..
(على زاوية من زوايا المسرح / السندي يعد الرطب السموم)
علي بن يقطين: - عمد السندي إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدمه للإمام..
السندي: - كلْ وزدْ على ذلك..
الإمام عليه السلام: - حسبك.. قد بلغت ما تحتاج إليه..
علي بن يقطين: - أخذ الإمام عليه السلام يعاني من آلام شديدة.. والسندي مرابط عند رأسه لا يفارقه..
السندي: - دعوه يموت بعجل.. أبعدوا عنه أي مساعدة مسعف أو طبيب..
(مع الشرطة): ادخلوا الناس ليروا ما حدث.. خشية أن يزعم البعض أنا قتلناه..
(الناس يدخلون إلى غرفة الإمام في سجنه)
السندي: - إيها الناس.. جمعتكم لتروا سجنه ومأواه، ولتسألوه عن سعة المأوى، وقيمة الرضى..
الشاعر (يدخل المشهد): - الله يرى قبل الناس..
الكاظم عليه السلام: - إني قد سُقيت السمّ يا شيعتي.. وبعد غد سأموت..
(السندي وهو يرتعش ويتلعثم): لا.. لا تصدقوه فإنه يهجر... إنه يهجر.. إنه مثلما قلت لكم يهجر.. نعم أيها الناس أن الرجل يهجر.. ولو كنا قتلناه لما أرسلنا إليكم.. وجعلنا الأمر سرا..
(يخرج علي بن يقطين وضيفه الشاعر إلى النعش لإجراء مراسيم الدفن)
علي بن يقطين على جسر الرصافة: وسدوه سجادة صلاة..
الشاعر: - يرفعون الأذان نداءات جرح ينزف مع كل نداء يمزق القلب.. نصحو على جرح جديد..
الشرطة (ينادون): هذا إمام الرافضة ميت، هذا الذي يدعي الرافضة أنه حي لا يموت.. تكبير..
يحمل النعش الشاعر وابن يقطين..
الشاعر: - لا إله إلا الله الحي الذي لا يموت..
(ينزل النعش من المسرح إلى القاعة ويشيع محمولا على الأكتاف)
الجميع: - لا اله الا الله الحي الذي لا يموت..
علي حسين الخباز
تعليق