القرآن العظيم كتاب أنزله الله(سبحانه وتعالى) على نبيه محمد(ص) خاتم الأنبياء, ودينه عام لجميع الخلق وخاتمة لجميع الأديان, وهو دستور الخالق لإصلاح المخلوقين من البشر, وقانون السماء لهداية أهل الأرض, من حيث أمور دينه ودنياه, وهو برهان الرسالة ودليلها لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ([1], وهو مصدر التشريع الإسلامي يستند إليه في عقائده وعباداته وحكمه وأحكامه وآدابه وأخلاقه وقصصه ومواعظه وعلومه ومعارفه, فه )ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ([2], والوسيلة لإصلاح المجتمع الإسلامي إذا ساروا على ضوئه, وأخذوا بأحكامه وتعاليمه, ولم يحيدوا عن سننه وشرائعه.
فالقرآن الكريم لم يتخذ لنفسه طريقة خاصة لإفهام مقاصده غير ما هو مفهوم من لغة العرب وأصول محاوراتهم بلسان عربي مبين, ليدبروا آياته ويفهموا معانيه, وكان من جملة ما جاء به القصص القرآني لما فيه من نصوص مكتنزة بالمعاني, أشارت في طيها إلى جملة من الأحكام التي يمكن أن يستنبط منها الفقهاء الكثير من الأحكام الشرعية, وكذلك نجد في القصة القرآنية الكثير من الدروس والعبر لما انمازت به من واقعية وأنبأتنا عن الأحداث التي جرت على الأمم السابقة بكل صدق وحقيقة, كي تكون عبرة لأصحاب العقول, وكذا تثبيتا لفؤاد النبي(ص), وما أجرى الله (سبحانه وتعالى) من سننه في الأقوام السابقة} وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ {[3]. وإعلاماً بالغيب الماضي.
والقرآن العظيم أبان عن ذلك من خلال عرضه لسرد طائفة من قصص الأنبياء والمرسلين, والأولياء والصالحين, وعباد الله المخلصين كقصة صاحب موسى(عليه السلام) ومريم الصديقة, }نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ{[4].
كان القرآن العظيم عند الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) , يحتل المكانة السامية في قلبه, وتتقاطر آياته من شفتيه, يقف عند زواجره ونواهيه عاملاً, يسير مع حكمه وأمثاله معتبراً, ويوطد تعليماته وتشريعاته متقنناً, ويستوحي عبره ومواعظه مسترشداً, يبكيه الوعيد في فقراته, ويحييه الرجاء في مكنونات عداته, يتدبر شأنه بإمعان, ويستنطق دلالاته بأناة.
وهو في ذلك يقول: ((أَللَّهُمَّ فَإذْ أَفَدْتَنَا الْمعُونَةَ عَلَى تِلاَوَتِهِ، وَسَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ، فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَيَدِينُ لَكَ بِاعْتِقَادِ التَّسْلِيْمِ لِمُحْكَمِ آياتِهِ، وَيَفْزَعُ إلى الاِقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ وَمُوضَحَاتِ بَيِّناتِهِ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُجْمَلاً، وَأَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلاً، وَوَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً، وَفَضَّلْتَنَا عَلَى مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ، وَقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ.))[5].
ومن هنا جاء البحث في محاولة متواضعة ليبين ما للإمام(عليه السلام) من دور في عملية استنطاق النصوص القرآنية التي حوت في مضانها تلك القصص , فنجده (عليه السلام) يروي تفاصيل القصص دون أن يحدّث عن أحد, ولم يسند روايته لأحد, وإنما يمارس دوره الحقيقي الذي رسمه النبي الأكرم محمد(ص) ((إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))[6], فهو(عليه السلام) مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي.
والذي يقف عند ما جاء به الإمام(عليه السلام) من سرد للقصص القرآني , وسبر أغوارها ليميط اللثام عن الكثير من أسراها, والمتمثلة عادة في أبرز أسماء شخوصها, وربطها بواقعها الزمني, يجد الأمام(عليه السلام) حاكياً إلى جنب القرآن الكريم ومن خلال القرآن دروساً وعبر, يحتم على الإنسان المؤمن السير في ضوءها وهذا ما عمل عليه البحث.
تعليق