بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
جاء في الدّين بشكل مؤكّد أنّ الله سبحانه لطيف بالإنسان ومُغيث لاضطراره، فإذا ناجاه سمعه، وإذا سأله أعطاه، وإذا دعاه أجابه، وإذا استعان به أعانه بما تسمح به مقادير الحياة، وربّما أعانه في حالات الاضطرار من غير سؤال ودعاء.
وهذ اللطف على نحوين..
الأول: اللطف الظاهر، وهو ما كان على وجه معلَن، بخرق سنن الحياة من خلال المعجزات الواضحة والخوارق البيّنة، نظير ما صدر منه تعالى في مقام بيان حقانيّة رسله أو في ما اتفق من إكرام بعض أوليائه، أو من عُني بهم من خلقه، من قبيل ما ورد في الآية الشريفة من الوحي إلى أمّ موسى عندما كانت متحيرةً في ما تصنعه بوليدها الذي يمكن أن يقتله فرعون، فألهمها الله تعالى وأوقع في قلبها ما يوجب إنقاذه.
الثاني: اللطف الخفي، وهو ما كان من خلال التحكُّم في الأشياء من بواطنها، عبر توجيه دفّة الأمور الذهنيّة والنفسيّة والخارجية إلى مسار معيّن ـ بنحو غير مشهود للإنسان ـ حتى يحقق مطلوبه.
والواقع أنّ الالتجاء إلى كائن أعلى قادر على إغاثة الإنسان في مواطن الضعف وعوارض الحاجة مما غُرِس في فطرته، كما يؤيده مسار حياة الإنسان في التاريخ.
وإذا كان الخالق هو من غرس هذا التوجه الفطري في نفس الإنسان فإنّه جعل بإزائه استجابةً له، كما جعل في الرضيع روح الالتجاء إلى الأم، وجعل في الأم روح الاستجابة له والعطف عليه.
ويُنبّه على هذا المظهر جملة من الآيات الشريفة، قال تعالى: ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ القَوّيُّ العَزِيز﴾ ، وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ ، وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ، وقال: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ ، وقال: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾.
إلّا أنَّ هذه الاستجابة الإلهية لا تكون ـ كماً وكيفاً ـ بنحو تختلُّ بسببها سُنن الكون ومقادير الحياة، فتتغيّر عمّا بنيت عليه من موت الإنسان، وزوال الأشياء، ووقوع العلل والأمراض.. فهو يستجيب لعباده عموماً من حيث لا يحتسبون بما لا ينقض نظم الحياة، إلّا في حالات تقتضي تدخلاً معلناً بالخوارق والمعجزات.
وهذه سُنَّة عامة جارية حتى بالنسبة للأنبياء والصالحين؛ إذ لم تكن الاستجابة لهم استجابة مطلقة، ولا كانت الإعانة إعانة غير محدودة.
تعليق