إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يَا رُوحَ اللَّهِ، بِمَاذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اللَّهِ ونَتَقَرَّبُ: ج 1.

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يَا رُوحَ اللَّهِ، بِمَاذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اللَّهِ ونَتَقَرَّبُ: ج 1.

    قَالَ رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ: تَحَبَّبُوا إِلَى اللَّهِ وتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ. قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ، بِمَاذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اللَّهِ ونَتَقَرَّبُ؟
    قَالَ: بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي، والْتَمِسُوا رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِهِمْ)[1]. الكلام في عيسى بن مريم(عليه السلام) فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشب وكان ادامه الجوع وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه وخادمه يداه. كما تجد له اصولا في الثقافة الشعبية ويجتمعان في كثير من الموارد. هذه المقدمة لابد منها في تأسيس البحث عن الابعاد الأخلاقية في هذه الشخصية لأنها تضعنا امام الجانب المشترك في رؤيتنا للسيد المسيح (عليه السلام) كمسلمين ومسيحيين: الجانب البشري الذي لا ينفك عن الجانب الرسالي.
    الملاحظة الثانية ان البحث عن الاخلاق هنا هو بحث عن خصال عملية نقيس عليها السلوك الإنساني فرديا واجتماعيا وليس بحثا نظريا في منشأ الاخلاق ونظريات الالزام والمسؤولية اذ المفروض هنا اننا قد فرغنا عن بحثها من حيث الالتزام بكون الخالق هو الديان صاحب الرسالات، نعم يختلف المسلمون والمسيحيون في كيفية الخلاص في الاخرة لكل انسان: مطابقة الاعمال للشريعة او بالفداء لكن يبقى اشتراكهم في ان الاعمال في هذه الدنيا يجب ان تقع موافقة للقيم الأخلاقية المشتركة بطبيعتها والثابتة عند علماء الطرفين وبغض النظر عن بعض الاجتهادات النافرة.
    وان ثبات القيم الأخلاقية امر مما يؤكده النقل والعقل عند المسيحيين وعند المسلمين، فالمسيح لم يأت لينقض بل ليكمل كما في قوله (عليه السلام)“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ[2]والمقصود هنا ناموس الاخلاق مقابل ناموس الفرائض. ويقول النبي محمد صلى الله عليه وآله: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ)[3]، وفي رواية ( بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ حسن اَلْأَخْلاَقِ)[4] .
    وتأييد العقل لهذا الثبات تزخر به كتابات الفلاسفة المسيحيين والمسلمين، ويجتمع العقل والنقل على التفريق بين الفعل الأخلاقي والخصلة الخلقية. من هنا نطل على تعريف الاخلاق بأنها مجموع الخصال التي يدعو اليها الدين لتكوين شخصية سوية سلوكيا في علاقتها بنفسها وبالأخرين بل وبالطبيعة المحيطة بها، وينفر من مضاداتها. ويعبر عن هذه الخصال بالحكمة العملية لارتباطها بالإنسان وأفعاله الاختيارية وما ينبغي وما لا ينبغي مطلقا والا عدنا وسقطنا في فخ النسبية.
    قال الفاضل النراقي ـ قدس‌ سره ـ في تفسير هذه المحبّة والوداد في الله، أن يحبه لله وفي الله، لا لينال منه علما أو عملا، أو يتوسل به إلى أمر وراء ذاته، وذلك بأن يحبه من حيث إنّه متعلق بالله، ومنسوب إليه، أمّا بالنسبة العامّة الّتي ينتسب بها كل مخلوق إلى الله، أو لأجل خصوصية النسبة أيضا، من تقرّبه إلى الله، وشدّة حبّه وخدمته له تعالى. ولا ريب في أنّ من آثار غلبة الحبّ أن يتعدى من المحبوب إلى كلّ من يتعلق به ويناسبه، ولو من بعد، فمن أحبّ إنسانا حبّا شديدا، أحبّ محبّ ذلك الإنسان، وأحبّ محبوبه، ومن يخدمه ومن يمدحه، ويثني عليه أو يثني على محبوبه، وأحبّ أن يتسارع إلى رضى محبوبه كما قيل:
    عرفت الهوى مذ عرفت هواك.... وأغلقت قلبي عن من سواك
    وبت أناديك يامن ترى .... خفايا القلوب ولسنا نراك
    أحبك حبين حب الهوى .... وحــبــــا لأنـك أهل لـذاك
    فأماالذى هو حب الهوى .... فشغلي بذكرك عمن سواك
    وأما الذى أنت أهل له .... فكشفك لي الحجب حتي أراك
    فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي .... ولكن لك الحمد في ذا وذاك
    وأشتاق إليك شوق النوى .... وشوقا لقرب الخطأ من حماك
    فأما الذى هو شوق النوى .... فنار حياتي غدت في ضياك
    وأما اشتياقي لقرب الحما .... فما ترى الدموع لطول نواك
    فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي .... ولكن لك الحمد في ذا وذاك

    وأمّا البغض في الله : فهو أن يبغض إنسان إنسانا لأجل عصيانه لله ومخالفته له تعالى ، فإنّ من يحبّ في الله ، لا بدّ وأن يبغض في الله ، فإنّك إن أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عنده ، فإن عصاه لا بدّ أن تبغضه؛ لأنّه عاص له وممقوت عند الله ، قال عيسى (عليه السلام) : «تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقرّبوا إلى الله بالتباعد عنهم ،والتمسوا رضا الله بسخطهم»[5]، وهذا من مقتضيات الدين والإيمان، وكلّما ازداد دين امرئ زيد حبّه في الله، وبغضه في الله، وكلّما ضعف إيمان امرئ نقصت فيه تلك المحبة والبغضة، وإليه يشير ما رواه في الكافي بسند موثق عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحبّ والبغض، أمن الإيمان هو؟ فقال : (وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض، ثم تلا هذه الآية : ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ[6]، وقال أيضا : (كلّ من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له)[7].
    نعم ربّما يجتمع في بعض آحاد المسلمين موجبات الحبّ في الله، مع موجبات البغض في الأمور الشخصيّة قصورا وتقصيرا، فعلى المؤمن الخبير ألا يبتلي بترك محبّته في الله؛ لأنّ الإيمان يقوى على الأمور الشخصيّة، والمنافع الدنيويّة، فمقتضى الإيمان هو كونه محبوبا من حيث إيمانه، وعروة الإيمان لا تنقض بموجبات البغض، في الأمور الشخصيّة، ومن المعلوم أن الاجتماع الإسلامي مبنيّ على هذا الأساس القويم.
    وفي وجوب المحبة والوداد لأهل البيت، وقد عرفت أن المحبة والوداد بالنسبة إلى أهل الإيمان من مقتضيات الإيمان، ومن الوظائف الأخلاقية لكل مؤمن، وبالجملة فضيلة من الفضائل، ولا وجوب لها، ولكن محبة أهل البيت وودهم من أوجب الواجبات جعلها الله ورسوله أجر الرسالة ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى[8] ولذا سأل الأصحاب عن رسول الله عن تعيين القربى بعد الفراغ عن وجوب المودة فيهم، كما روي عن ابن عباس أنه قال: ( لما نزلت الآية ﴿ قل لا أسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربىقلت: يا رسول الله من قرابتك الذين افترض الله علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما ثلاث مرات يقولها)[9]
    وأكد الأئمة (عليه السلام) على وجوب المحبة، وإليك بعض التأكيدات، قال محمد بن مسلم: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن الرجل ربما يحب الرجل، ويبغض ولده، فأبى الله عز وجل إلا أن يجعل حبنا مفترضا، أخذه من أخذه، وتركه من تركه واجبا، فقال: ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾، وقال أبو جعفر (عليه السلام) في ذيل الآية المباركة: هي والله فريضة من الله على العباد لمحمد - صلى الله عليه وآله - في أهل بيته) [10].
    [1] تحف العقول، ص 44.
    [2] انجيل متى الاصحاح الخامس:17-18.
    [3] مستدرك الوسائل، ج 11، ص187، الباب 6 من أبواب جهاد النفس.
    [4]موطأ مالك، كتاب حسن الخلق، ج 2، ص904، مسند احمد، ج2، ص 381.
    [5] راجع جامع السعادات، ج 3، ص 186 ـ 187.
    [6] سورة الحجرات، الآية 7.
    [7] الأصول من الكافي، ج 2، ص 127.
    [8] سورة الشورى، الآية: 23.
    [9] بحار الأنوار، ج 23، ص 241.
    [10] بحار الأنوار، ج 23، ص 239.


    التعديل الأخير تم بواسطة الاشتر; الساعة 02-03-2023, 01:36 PM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X