إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يَا رُوحَ اللَّهِ، بِمَاذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اللَّهِ ونَتَقَرَّبُ ج 2

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يَا رُوحَ اللَّهِ، بِمَاذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اللَّهِ ونَتَقَرَّبُ ج 2


    اللهم صل على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته​


    قَالَ رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ: تَحَبَّبُوا إِلَى اللَّهِ وتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ. قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ، بِمَاذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اللَّهِ ونَتَقَرَّبُ؟
    قَالَ: بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي، والْتَمِسُوا رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِهِمْ)
    مِنَ المبادئ الإسلامية الأخلاقية «الحب في الله» وفي آن واحد ومترابط «البُغض في الله» بحيث أنَّهما لا ينفصلان عن بعضهما في حياة المسلم وإلاّ كان ذلك إنذاراً بوجود خلل إيماني في عقيدته. لقوله تعالى في الكتاب المجيد:‏
    ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ[1].‏
    من أجل ذلك كانت السلامة العقائدية للمسلم مرتبطة تماماً بمشاعره الصادقة والصحيحة تجاه الآخرين، إقبالاً وإدباراً حباً وبغضاً... ولا يجوز بحال من الأحوال أن يُحبّ‏ المسلم مشركاً أو كافراً أو عدواً تحت أي عنوان أو ذريعة شيطانية تُسوِّل له تلك العلاقة تحت شعار حسن المعاشرة والمعاملة والحوار والمصلحة... فهذه أمور، والميل القلبي لهؤلاء الملعونين أمر آخر مختلف تماماً، فهو مأمور ببغضهم ولو كانوا أقرب الأرحام إليه، والتاريخ الإسلامي عريق غني بالأمثلة الكثيرة.‏
    قال الله عزّ وجل محذّراً المؤمنين:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[2].‏
    وفي النصّ‏ الشريف عن مولانا رسول الله‏(صلى الله عليه وآله): (الحبّ‏ في الله فريضة، والبُغض في الله فريضة)[3].‏
    أفضل الأعمال عند الله:
    ولوحظ في المدة الأخيرة في بعض مجتمعات المسلمين، ونتيجة للهزائم المتكرِّرة في القرن الحالي والإحباطات المتنوعة والوهن العقائدي والركون الدنيوي والطمع في السلامة... لوحظ استكانة «مرضيَّة» عند عامة المسلمين في طريقة تعاملهم مع الآخرين، حتى الكافرين والمشركين، فيتقرَّبون ويتزلَّفون.... والأخطر من ذلك أن تقوم فئة «تُنظِّر» لهذه الحالات الممقوتة، فتُشرِّع ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه تحت عنوان الإنسانية والحوار وقبول الآخر!‏
    وبذلك فقد المسلم حصناً منيعاً لا ينبغي التنازل عنه مهما كانت المغريات والأثمان فإنّ‏ (أفضل الأعمال، الحب في الله والبغض في الله تعالى) كما ورد عن سيدنا رسول الله‏( صلى الله عليه وآله)[4].‏
    وعن مولانا الإمام الباقر(عليه السلام)، قال: (إذا أردت أن تعلم أنّ‏ فيك خيراً، فانظر الى قلبك، فإن كان يُحبّ‏ أهل طاعة الله عزَّ وجل، ويُبغض أهل معصيته، ففيك خير، والله يُحبُّك، وإذا كان يُبغض أهل طاعة الله، ويُحبّ‏ أهل معصيته، فليس فيك خير، والله يُبغضُك، والمرءُ مع مَنْ أحب)[5].‏
    وفي القصة المعبرة، عندما سأل الله سبحانه سيدنا موسى‏ (عليه السلام) عن عملٍ لوجهه الكريم: (هل عملتَ لي عملاً؟ كان جواب موسى على نبيِّنا وآله وعليه السلام كأي جواب بديهي، أنِّي صِمتُ وصلَّيْتُ وتصدَّقْتُ وذكرتُ... ولكنّ‏ الله عزَّ وجل قال له: فأي عملٍ عملت لي؟‏
    قال موسى‏ (عليه السلام): دُلَّني على العمل الذي هو لك؟ قال الله جلّ‏ ذكره: يا موسى، هل واليتَ لي ولياً، وهل عاديت لي عدواً قط؟)[6]
    فعلم موسى‏ (عليه السلام) أنّ‏ أفضل الأعمال "الحبّ‏ في الله والبغض في الله".‏
    الفرق بين المؤمن وغيره:
    فالحبّ‏ والبغض كما أمر الله تعالى يُميِّزان المؤمن في مشاعره وأحاسيسه عن غيره من البشر مع تعدُّد مشاربهم وانتماءاتهم وأديانهم... لأنّ‏ غير المؤمن ينسج علاقاته وفقاً لمصالحه الذاتية، فيقترب أو يبتعد، بحسب المنفعة والقوة والغنى والسلطة والرفاهية أما المؤمن فعلاقاته مع الآخرين إنَّما تكون تسليماً لأمر الله، وخضوعاً لإرادته، وتقرُّباً لمرضاته جلّ‏ وعلا، فهو إن أحبّ‏ أحبّ‏ امتثالاً لأمر الله، وإن أبغض أبغض امتثالاً لأمر الله أيضا فكل حركاته وسكناته كما يُحبّ‏ الله ويرضى. لذا كان المؤمن محباً للمسلمين استمرارا لحبِّه وانتمائه لخطِّ الأنبياء والصلحاء، فهو محبّ‏ للعلماء والأتقياء وسائر المسلمين، ولو لم يكونوا من أبناء عشيرته أو منطقته، وفي نفس الوقت مبغض لأهل الضلالة من الكفار والمشركين وعبدة الأصنام والظالمين، ولو كانوا من أبناء قرابته، كلّ‏ ذلك بُغضاً في الله تعالى، وتبرِّياً من أعداء الله سبحانه.‏
    ومدح رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواجبات الإسلامية العظمى من الصلاة والصيام والزكاة والحجّ‏ والجهاد... واستدرك قائلاً (صلى الله عليه وآله): (... ولكنّ‏ أوثق عرى الإيمان الحبّ‏ في الله، والبغض في الله، وتولِّي أولياء الله، والتبرِّي من أعداء الله)[7].
    فالحبّ في الله يتحقّق في عدّة صور ولعدّة أسباب: -
    الأوّل: أن تحبّ شخصاً في الله لكونه قريباً من الله تعالى ومنسوباً إليه، ففي الدعاء: (اللّهم ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك).
    وكلّما كان تدرّجُهُ في القرب من الله وترقّيه في طاعته أكثر كان حبُّك له في الله أعظم، إلى أن يصل الأمر إلى حبِّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، والأولياء، فإنّه حبٌّ عظيم قد لا تستوعبه بعض النفوس والعقول، فإنّه حبّ أكبر من حبّ النفس والذرّية والولد!!

    ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله : (لا يؤمن عبدٌ حتّى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته)[8].
    وقد تحدثنا عن هذا الأمر في الصفحات السابقة.
    الثاني: أن تُحبّ من يكون معيناً لك على قربك من ربّك، فإذا أحببت المؤمن لأنّه يساعدك في إنفاذ الأعمال الخيرية مثلاً الّتي فيها لله رضا، كتوزيع المعروف على الفقراء، أو في إحياء الشعائر الإلهية، وإقامة المراسم لترويج الدِّين والشريعة المقدّسة بتهيئة مقدّماتها من مال أو تجهيز، ويسعى في إنجاحها وقوّة تأثيرها في المؤمنين وإيصالها إلى أهدافها. فحبّك لهذا الشخص حبّ في الله لأنّه يساعدك ويعينك على القرب من الله تعالى.
    الثالث: كلّ من يعينك في رفع حوائجك الدنيوية الّتي لا بدّ منه، كالمسكن والغذاء والملبس إذا كان يفرِّغُكَ بذلك لطاعة الله تعالى من عبادة، وعلم، وعمل بحيث يكون قد قطع عن نفسك تلك العلائق والاهتمام به، فإنّها تؤدّي إلى صرف الهمّة عن ذلك كلّه، وخاصّة فيما يتعلّق بتحصيل العلم، حيث يحتاج إلى خلوّ الذهن من الشواغل: (اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاِكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي اَلاِهْتِمَامُ بِهِ، وَاِسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ ، وَاِسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ)[9].
    حبّ الزوجة قد يكون في الله، إذا كانت النيّة أنّها عنصر مساعد للقرب من الله تعالى، حيث إنّها تكون أنس، وسكن، ومستراحاً يأنس بها الزوج، وترجع نفسُه من خلالها إلى الراحة والدّعة، بعد الخوض في شؤون الحياة وضغوطاته، لتستجمّ بعد ذلك مجدّدة نشاطها عائدة من جديد إلى ميدان الجدّ، وحقل النتاج والعمل.
    وهي سبب للقرب من الله أيض، لأنّه بوسيلتها يعفّ نفسه وبصره عن الحرام، ويدفع الخيالات والأوهام عن داخله، الّتي هي بمثابة الحجب المانعة له من العروج في سماء المعرفة، وصفاء الروح، أضف إلى ذلك ما تقوم به الزوجة من قضاء حوائج الزوج، وتهيئة أموره، من مطعم وملبس وغيره، فإنّه أدعى للتفرّغ للطاعة، والعبادة، وطلب العلم.

    وقس على ذلك كلّ الأمور المماثلة، فإنّ الحبّ في موردها سيكون حبّاً في الله تعالى، لأنّه حبّ لمن يرفع عوائق طيّ طريق التكامل من أمامك، لتصل إلى شاطئ محبّة الله تعالى ورضاه.






    [1] سورة الحجرات، الآية: 7.
    [2] سورة التوبة، الآية: 23، ص: 190.
    [3] ميزان الحكمة، الحديث 3189.‏
    [4] ميزان الحكمة، الحديث 3185‏.
    [5] بحار الأنوار، ج‏69، ص 247.‏
    [6] بحار الأنوار، ج‏69، ص‏253.‏
    [7] الكافي الشريف، ج‏2، باب الحب، ح‏6.‏
    [8] بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 76.
    [9]الصحيفة السجادية، ج1، ص92.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X