إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

" ذات احتراق "

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • " ذات احتراق "


    حدث فيما مضى أن اختلست من عمري أياماً لأولد فيها من جديد .. دون ان أعلم بأني كنت أعد العدة للدخول إلى عالم النور .. حقيقة لم أدرك أياً من تلك المعاني قبل ذلك الحدث الاستثنائي ..
    كانت بداية حقيقية ولحظة ارتعاش الروح في ذاك الجسد الترابي ..
    كربلاء تلك البقعة التي يسكنها نبضي منذ أزل ، لم يسبق أن رأتها عيني .. لم أكن لأعي كيف أن الحسين ع دعاني للمثول بين يديه في حين كانت تؤرقني ذنوبي ..
    أوَ أقف أمام سيد الشهداء وقد أثقلت الذنوب كاهلي ؟!
    ماذا أفعل ياإلهي .. ياإله العاصين
    ثلة من الشباب الموالين المخلَصين كانوا قد اتشحوا بالسواد وعصبوا جبهاتهم بعبارات الشوق ، نذروا أنفسهم لإقامة العزاء على طول الطريق والذي يمتد زمانه إلى ثماني عشرة ساعة .. الأجواء نورانية حد الذهول .. اتخذنا الليل جملا مابين تضرع ودعاء ..
    الخوف والرهبة يسيطران علي ، يستحوذان على كل مشاعري ، ويلفتني ذاك الشوق في الثلة المؤمنة أراه مختلفاً بعض الشيء !
    أرى الاطمئنان والهدوء والسكينة ، أرقب تلك العيون وتلك النظرات المعلقة بالملكوت الأعلى بشغف ليس له مثيل .
    لابد وأنهم قد أدوا زيارة الأربعين من قبل ، والآن يدفعهم الشوق إلى طعم الجنة وأنا التي لما أعرف ذاك الشعور بعد ..
    وفي طريق المسير هنالك ما لاتحتويه العبارات من معاني الوفاء والفداء هنالك رأيت كيف يتجسد وفاء العباس ع وفداء الحسين ع لاأدري ترجمة لذاك العشق ..ولكن المكان حتماً كان قدسياً لدرجة يمتزج فيها الذوبان والدهشة معاً !
    توجهت بالسؤال إلى احد العاشقين :
    - هل عبرنا ملكوت السماء ؟
    رمقني بنظرة دامعة وهوَتْ يده على صدره بجنون وهو يصرخ ياحسين ..
    كنت أنظر باستغراب إلى السائرين الحفاة ، والبرد يتسلل إلى العظام .. لأجدني بعد هنيهة في الوادِ المقدَّس !
    أذكر أنني بقيت في فلاة الطف ذبيحة العشق أشبه بقربان ابراهيم لأيام ثلاث ، لم أجرؤ على الاقتراب من شعاع نور الإله .. وفي كل مرة كنت أطلب الإذن من قمر الهواشم وأروي له كل ما بي وكان يعتريني الخوف كلما حاولت الاقتراب .. كفراشة تهوى الضياء وتخشى الحريق ، وأنا أرقب من بعيد أفئدة من الناس تهوي إليه لقد كان خوفي أشبه بـِ وادٍ غير ذي زرع عند مقامه المقدس ..
    إلى أن دعاني إلى حضرته .. فأجاب قلبي بالتلبية والخضوع ..
    يجف الحبر في وصف بعض المواقف
    وتعجز الحروف بكل ماأوتيت من بيان ..
    شيء أشبه مايكون بالحلم ولايدري تأويله إلاَّ الراسخونَ في العشق !
    للمرة الأولى أسمع نبض قلبي خارجاً .. وروحي التي تمنت لو انها تعود إلى بارئها في حضرة القدس .
    للمرة الاولى أصرخ بكل ماأوتيت من حب "ياحسين" فأسمع تسبيح الأكوان .. يا إلهي ماهذا !
    وكأني بسيدي يقول لي : اجلسي هنا فهذا الفجر قد شق كبد السماء فمتى سيشرق صبحك ..
    هناك .. للشوق طعم مختلف و للغيث معنىً آخر حين ينهمر من العين .
    القلب كان في خشوع صلاة والروح تسجد للإله في حضرة الفيض النوراني .
    كل ماأعرفه عن ذلك اليوم أن روحي غادرت جسدي ، وكيف تعود حبيسة حفنة من تراب وقد طافت وسعت في عالم معنوي واسع ، لقد استودعتها أمانة عند سيّد العشق .
    ذاك الشوق يقتلع قلبي كل حين .. أكان من المفترض أن أشتعل وأعاني بعد ذلك لوعة الفراق ! أم ما كل هذا الحب ؟
    لازلت أنتظر لقاءً آخر ..
    ربما سيكون مختلفاً هذه المرة .. ربما أموت هناك .. من يدري !
    تراودني فكرة الموت عشقاً - أبتسم - يالها من حياة و يا له من نبض جديد يبث روحاً في جسدٍ كاد أن يبلى ..
    بعد حين من ذاك السفر الملكوتي أدركت أنني كنت في رحلة مع ثلة من الشهداء .. نعم كنت أرافق جماعة دعاهم الحسين ع قبل أن يستشهدوا ليعبروا الدرب المؤدي إليه ، ولبيارك لهم دربهم وليعلمهم كيفية بذل الروح لإعلاء كلمة الحق ..
    الآن .. وأنا اكتب هذه الحروف
    تعود إلى ذاكرتي صورهم .. ويتردد على سمعي صدى أصواتهم ، عباراتهم ، وأرى إشراقة تلوح في محيَّاهم .. كانوا متشابهين في كل شيء ولم يكن أحد منَّا ليجد تفسيراً !
    نعم جميعهم استشهدوا بعد عودتهم .. حزنت كثيراً ، تمنيت لو أنني كنت أكثر انتباهاً ، أكثر إدراكاً لتلك المقامات المعنوية العظيمة .. والتي شاء الإله أن أعيش تلك التجربة معهم ..
    أولئك الذين اتشحوا بالسواد وعصبوا جبهاتهم بعبارات الشوق
    كانوا يَخطون آخر خطواتهم قبل الشهادة ، كانوا على موعد مع الحسين ع وكان لهم لقاء في الأرض تلاه لقاء في السماوات ..
    وأنا استدعيت من صميم غفلتي لكي أنال صحوة من نفخت فيه الروح فانكشف عنه سر الوجود ..
    كربلاء سر الأسرار ، أرض الأطهار هناك سالت دماء الولاية ليسري الطهر في كل مايحيط بها من سماء وأرض وكون .. من ضياء وفرات وماء
    من تراب ، فضاء وهواء ..
    هنا يجف الحبر
    وتزهر الروح .. معلنة ولادة جديدة
    بشرى مه
    بشرى مهدي بديرة​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X