نفائسُ العتبة العباسية المقدسة
والمطعّمة بالأحجار الكريمة
المهداة الى حضرةِ قطيع الكفين أبي الفضل العباس(ع)
الحاج علي الصفار
كثيرة هي الهدايا والموقوفات الثمينة والنادرة التي تضمّها خزانةُ العتبة العباسية المقدسة، والمقدمة من الملوك والأمراء والسلاطين والوجهاء والشخصيات المشهورة وسائر المسلمين بل من غير المسلمين أيضاً، والتي وضعتْ بين يدي حامل لواء العقيدة العباس بن علي عليه السلام من الهند، وايران، وتركيا، والعراق، وغيرها من الدول في العالم..
وعندما أقول: من غير المسلمين أيضاً فهذه حقيقة، فعند عمل باب ذهبي لمدخل السرداب الشريف المؤدي الى القبر الطاهر لأبي الفضل العباس (ع) أُبلغنا من قبل الجهة المتبرعة أن امرأة أرمنية نذرت لأبي الفضل العباس(ع) نذراً لله؛ لأن الله أعطاها ما تتمنى ببركته عندما توسلت به وجعلته وسيلة الى الله، لذا قدمت قلادة زواجها التي تعتز بها كثيراً، لتكون ضمن الذهب الذي صُنع به هذا الباب الذي نصب في محله في الحرم الشريف في ذكرى ولادة الحوراء زينب (ع) 5/ج2/1428هـ وأرخناه:
في مولد الحوراء أرِّخ: (ركزه * باباً على بحر الفضائل نفتحُ)
ومن الهدايا التي لها ميزتها وخصوصيتها الكفوف الذهبية والفضية، وهي ترمز الى كفي أبي الفضل العباس (ع) اللذين وهبهما من أجل إمامه وسيده وأخيه الحسين (ع) وبذلهما في سبيل إحياء الدين الحنيف.
قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهم السلام:
رحم اللهُ عمي العباس فلقد آثر وأبلى، وفدا أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله (عز وجل) منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه السلام، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. (مستدركات علم الرجال للشيخ النمازي (قدس) ج4 رقم 7448).
ومن هذا القول المأثور للإمام السجاد (ع) نعرف المنزلة التي حازها أبو الفضل العباس (ع) من خلال تضحيته الكبيرة، كما ونعرف الصفات الحميدة التي يتصف بها، والعلقة ما بينه وبين عمه جعفر بن ابي طالب (رض)، ومن أجل أن نعرف أكثر، لابد أن نمر ولو مرور الكرام على ما اتصف به عمه جعفر بن ابي طالب الابن الثالث لأبي طالب، يليه الامام علي عليه السلام، وكان ذا صفات حميدة يشهد بها القاصي والداني.
وروي عن أبي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يُكنى أبا المساكين، وهو أول شهيد في الإسلام من آل أبي طالب. (راجع مقاتل الطالبين لأبي الفرج الاصفهاني).
وكان جعفر بن أبي طالب (ع) قد هاجر الى الحبشة بأمر من النبي (ص)، ومكث ومن معه عند النجاشيين حتى انجلت الغمة عن المسلمين، فعاد ومن معه الى النبي (ص) وكان ذلك يوم فتح خيبر.
وعن الشعبي قال: لما فتح النبي خيبر قدم جعفر بن ابي طالب (رض) من الحبشة، فالتزمه رسول الله (ص) وجعل يقبّل بين عينيه ويقول: (ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر). (مقاتل الطالبين - ص6)
ويروي هذا أيضاً الحر العاملي في الوسائل، وكذا الصدوق في المقنع ص139، والمحقق الحلي في المعتبر ج2 ص371.
وان النبي (ص) لم يعط من غنائم خيبر لمن لم يشهد الموقف معه إلا جعفر بن ابي طالب ومن معه في السفينة التي قدمت بهم من الحبشة، وهذه كرامة لجعفر ومن معه.
وعن ابي سعيد الخدري قال: (قال رسول الله (ص): خير الناس حمزة وجعفر وعلي(ع)).
وعن وهب بن وهب قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): خلق الناس من أشجار شتى، وأنا وجعفر من طينة واحدة.
وعن ابي هريرة قال: (ماركب احد المطايا ولاركب الكور، ولا انتعل، ولا احتذى النعال احد بعد رسول الله (ص) أفضل من جعفر بن أبي طالب).
هذه هي صفات جعفر (رض) خلق من شجرة النبوة، وتخلق بخلق النبي (ص)، كما يروي لنا الإمام جعفر بن محمد عن ابيه (ع) قال: قال رسول الله (ص) لجعفر: أنت أشبهت خلقي وخلقي. (راجع مقاتل الطالبين لأبي الفرج الاصفهاني).
وقد حباه النبي (ص) عند قدومه من الحبشة في فتح خيبر، بعد أن لزمه وقبله فرحا شديدا، حباه بصلاة عظيمة عرفت بصلاة الحبوة او صلاة جعفر الطيار، وهي صلاة عظيمة وهي كما يصفها العلماء: (الاكسير الاعظم، والكبريت الاحمر)، (المحقق الشيخ عباس القمي في مفاتيحه).
وهذه الصلاة مروية في كتب العامة والخاصة، وقد ذكروا فضائلها وترتيبها بالتفصيل. (راجع مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص838، او راجع عن فضائل جعفر الهداية للشيخ الصدوق ص154).
فيالها من حبوة من النبي (ص) لجعفر الطيار ويالها من فضائل.
جعفر الطيار ومعركة مؤتة:
وبعد فتح خيبر بعثه النبي (ص) مع الجيش الى مؤتة لقتال الروم، وذلك في جمادى لسنة ثمان للهجرة، والتقى المسلمون بجموع هرقل بتخوم البلقاء، فانحاز المسلمون الى قرية يُقال لها مُؤتة، وبعد مقتل زيد بن الحارثة (رض) أخذ الراية (راية رسول الله) جعفر فقاتل بها، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء وهي ذي الجناح فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قطعت يداه ثم قتل، وهو أول رجل من المسلمين عقر في الاسلام.
وجاء في (منتهى المطلب للعلامة الحلي ج2 ص913) ما مفاده: إن أول من عرقب الفرس في سبيل الله جعفر بن ابي طالب. وعند وصول الخبر الى النبي (ص)، حزن حزناً شديداً على مقتل جعفر بن ابي طالب. (راجع تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ج2 ص118).
وجعفر ابن ابي طالب (رضوان الله عليه) من الصحابة الأوائل أسلم بعد أخيه الإمام علي (ع) ومن المهاجرين ومن اللذين حباهم رسول الله (ص) وقربهم، وذكر (ص) إنه وجعفر من شجرة واحدة، وعدّه من أفضل الناس. وذكر (ص) إنه يشبهه خلقاً وخلقاً، وقد حزن عليه كثيرا عند استشهاده، وهو من حملة الرايات، وهو قطيع الكفين، وهو يطير في الجنة مع الملائكة، قال رسول الله (ص): (رأيتُ جعفراً ملكاً يطيرُ في الجنة مع الملائكة بجناحين). (أبو الفرج في مقاتل الطالبين ص10).
وما قول الامام السجاد (ع) عن عمه العباس: (فأبدله اللهُ منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب)، إلا لما قدمه العباسُ بن علي (ع)، فهو حامل راية الإمام الحسين (ع) وهي راية رسول الله التي حملها عمه جعفر في مؤتة، وقد ذاد عنها العباسُ حتى قُطعت يداه كما ذاد عنها عمه جعفر حتى قطعت يداه، وقد اتصف أبو الفضل بما اتصف به عمله، فقد ورثه وراثة كريمة فأبدله الله بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، ليطوف هو وعمه في أفق الخلود.
ولهذه الخصوصية، ولأنه قطيع الكفين، نجد هذه الكفوف الذهبية والفضية وبعضها مطعّم بالأحجار الكريمة تُبذل من قبل المؤمنين، وتُوضع في رحاب قطيع الكفين تعبّر عن الولاء لهذا البطل المضحّي، وعن الأثر الكبير لتضحيته في نفوس العالم، وما يسعنا إلا أن نقول:
وملكتَ قلبَ الكون يوم ترفَّعَتْ * عن ماء نهر العلقمي يداكا
وتحرّرتْ كفاك من زنديهما * ليطوفَ حولَ العالمين عطاكا
وغدوتَ في الأخرى تطيرُ كجعفرٍ * وهنا على شفةِ العلا ذكراكا
الوصف العام للكفوف:
هنالك مجموعة من الكفوف في خزانة العتبة المقدسة أهمها التي عُرضت في متحف الكفيل، وهي أربعة أنواع حسب صناعتها:
أولاً - زوج من الكفوف المصنوعة من الذهب:
كل منها صُنع بدقة عالية وبيد محترف في الصنعة متخصص بها، حيث يبدو الكف للناظر للوهلة الأولى انه صُنع بطريقة التخريم، ولكن هذا العمل الدقيق والصياغة الجميلة هي بالحقيقة عبارة عن استخدام أسلاك ذهبية محززة وبعضها حلزوني الشكل رُكِّبت مع بعضها تركيبا جميلاً يشبه الأغصان المتفرعة من أصل واحد، وبعضها على هيئة سعيفات نخيلية تنتهي أطراف أسلاك الذهب فيها على شكل دوائر صغيرة.
أما أصابع الكف، فقد صُنعت بنفس الطريقة، وفصل الصانع ما بين السلاميات بعقود بيضوية الشكل متداخلة جميلة.
وثبت كل كف على زهرية مصنوعة من النحاس مطلية بالذهب وعليها نقوش وكتابات.
ثانياً - زوج من الكفوف الذهبية المحلاة ببروشين فضيين مطعّمين بالأحجار الكريمة:
وكل كف من هذين الكفين مصنوع على صفيحة واحدة مذهبة، وقد حدد الصانع الأصابع ودائرة راحة اليد يدوياً وأبرزها بكل مقوّر جميل، وكتب على الأصابع الأربعة الملتصقة (عدا الابهام) عبارة (أبو الفضل العباس).
أما على حافة راحة الكف، فقد نقش العبارة التي تنصّ على اسم الواقف والسنة ونصها: (تقديم بتول وزيري مازندراني 1345). أما وسط كل كف، فقد وضع بروشاً جميلاً مصنوعاً من الفضة، ومطعّماً بالأحجار الكريمة.
الوصف العام للبروش:
البروش مصنوع من الفضة، وسطه وردة مركزها حجر احمر براق، تحيطه ثمانية أحجار بلورية مركبة في كناري الفصة، وتحت هذه الوردة الكبيرة وردة أصغر حجماً، مركزها حجر ابيض تحيطه احجار خمسة بنفسجية اللون، تليها خمسة احجار بلورية اكبر حجما، والوردة كأنها وردة متفتحة.
يتفرع من هاتين الوردتين غصون وأوراق من الفضة المزيّنة بالأحجار البلورية البراقة، وهيأة هذا البروش هي هيأة الطاووس الجميل ناشراً ذيله الرائع، ومركز الذيل الفضي الحجر الأحمر تحيطه الاحجار البلورية؛ ومن خلال معاينة البروش بدقة، نجده أقدم صناعة من الكف الذهبي نفسه، وكل كف من الكفين مركب على عضد اسطواني فضي، وبالجهة الأقرب للكف قبة ذهبية ذات نقوش جميلة، ووظيفة هذا العضد الاسطواني تسهيل تركيب الكف على أعلى سارية العلم.
ثالثاً - زوج من الكفوف الذهبية المطعّمة بالاحجار الكريمة:
في وسط كل كف من هذه الكفوف الذهبية الجميلة شكل زخرفي منقوش بعناية، داخله كتابة بارزه محددة يدويا نصها: (وقف حضرة عباس)، تعلو الشكل الزخرفي وردة ذات ذؤابات نقطية هي أحجار كريمة حمراء ناصعة عددها (6) أحجار، ووسطها (وسط الوردة) حجر بلوري أبيض ناصع.. أما رؤوس الأصابع الأربعة، فينتهي كل منها بوردة وسطها حجر ابيض تحيطه أحجار حمراء عددها ثمانية.
أما الإبهام في كل كف فينتهي بثلثي وردة من الطراز ذاته، وثُبِّت كل كف على حامل اسطواني ذهبي جميل وظيفته تثبيت الكف على سارية العلم، الحامل الذهبي متضرر نسبياً، كما لاحظنا تضرر بعض هذه الازهار بسبب سقوط بعض احجارها الجميلة.
رابعاً - كف فضي مُحلّى بكفوف ذهبية صغيرة:
يزين وسط هذا الكف المصنوع من الفضة – راحة اليد – شكل زخرفي مصنوع من الذهب، كُتبت وسطه العبارة (يا أبو الفضل العباس). أما نهايات الاصابع الفضية، فقد ثبت على كل منها كف ذهبي صغير على قدر عقدة الاصبع، وثلاث من هذه الكفوف الذهبية الصغيرة نقش اسفل راحتها كلمة (يا عباس)، وهي الموجودة على الاصابع (الابهام – الوسطى – الخنصر)، والكف مثبت على حامل اسطواني وظيفته تثبيت الكف على سارية العلم.
ومن هنا تجد العلقة الكبيرة بين قطع الكفوف وحمل الراية، فأكثر هذه الكفوف الذهبية والفضية مصنوعة لتكون فوق سارية العلم، وبهذا تشير الى قضيتين هما:
1- قضية قطع الكفوف.
2- قضية الراية المباركة.
ومن هنا نعرف الرمزية الكبيرة لهذه الهدايا، فإنها تحكي للأجيال ملحمة التضحية، ومن جهة تشير الى السمو والرفعة؛ كونها تعلو ساريات المجد ابدا.
أعجبني
تعليق