ب / مقاربات نقدية في اشكاليات القصة القصيرة جدا للباحث عباس عجاج ) ج 1 قراءة علي حسين الخباز
ترتبط بعض البحوث بعناوينها ارتباطا مباشرا، والعنوان يعين لنا طبيعة النص البحثي ويعلن نوايا المبدع، وكتاب مقاربات نقدية في اشكاليات القصة القصيرة جدا للباحث عباس عجاج لخص مقدمته بهذا المعنى ليقدم الحيادية كدافع من دوافع الحرص على توخي المعلومة من مصادرها, وان لا يفسر رؤيته، بل ترك الحكم والتشخيص لسعة الفضاء ، واعتمد على المنهج التحليلي القادر على اجلاء الاشكاليات لدراسة مكنون الظاهرة، ويساعده لبلوغ الغاية ـ ووضوح الرؤية ، وانفتح على قيم التجارب المتنوعة من خلال تقصي التجارب ، تفسيرا وتفكيكا ، واستنباط معلومات دون ان يعطي حكما أو يفرض رؤية أو يميل لجهة دون أخرى ، والجهد التنظيري الموجود في الساحة يتباين ويختلف من ناقد لأخر ، وهذه التباينات ستحتاج الى جهد اضافي من الباحث ليرسخ لنا مفهوم القصة القصيرة جدا ويقدم الإجراءات التطبيقية مقابل التضاد التنظيري.
الناقد نبيل عودة يرى ان التجربة الابداعية جميلة لكنها سريعة العبور والتلاشي ويصف بعضها بالثرثرة بلا معنى ولا فكرة ولا رؤية ويتحدى بإمكانياته تأليف انماط قادرة على ان تقارع القصة القصيرة جدا ويعلن عن عدم اقتناعه لكون هذا اللون ينتمي الى عالم القصة القصيرة ، ويرى ان التسمية معيبة ، والرد الحقيقي للباحث عباس العجاج هو ارتكازه على المعايير الجمالية والتقنية ، واعتقد انه تجاهل عن قصد مثل هذه الاحكام المجانية الجائرة على فن تنامى عبر تجارب كثيرة ، واعتمد على اللقطة ــ التصوير للحدث / التكثيف / الرمزية / وقدم الباحث العجاج مرتكزات ديمومة هذا النموذج الابداعي ، أو القدرة على الوصول للذروة من خلال المفارقة والمفاجأة والضربة الفنية ( الساخرة أو المؤلمة ) في صنع الحدث والمكان والشخصية بشكل موجز غاية بالحساسية والتركيز أمام هذا المعترك.
هل نعتبر رؤى نبيل عودة واحكامه منهجا له اتباعه أم مجرد رأي تنظيري عابر غير مؤثر لا يقف عند المقومات التي اعتمدها الباحث عجاج؟ ، وارى ان نبيل عودة تخلف عن التطورات الاجتماعية والفكرية والثقافية وتجاهل البنى الفكرية الحداثية ، وعجز ان يكوّن تصورا ، بينما البحث كان يبحث في اتقان لعبة النص / ايجاز الايجاز / بنائية النص التي تعتمد الايحائية / التأويلية / الاحالات / خرق المألوف بالانفعال الذي يتحكم به القاص الماهر ، ودرس المنجز القصصي لكثير من الاديبات والادباء مثل منجز حميد المختار / حنون مجيد / ابراهيم سبتي / هيثم الجاسم / علي السباعي / عباس عجاج / والكثير من الاسماء الاخرى، وكتب تحليلات مهمة عن تجارب حقيقية مثل تجربة القاص حمودي الكناني والقاصة السعودية مريم الحسن ، ومع متابعة الجبهتين لم أر من ينكر القصة القصيرة جدا من الجذر كما فعلها نبيل عودة.
يرى الناقد الدكتور حسين حمودة تصاعد اشكال قصصية ، تعد اختبارا لحدود النوع القصص القصيرة وتم طرح نتاج قصصي جديد فرض نفسه ، انتبه اليه النقاد.
حققت القصة القصيرة جدا انتشارا ملحوظا ، في اغلب البلدان العربية ، الباحث عباس عجاج قرأ المساحة الضيقة لفضاء البناء السردي في القصة القصيرة جدا فيراها وضعت القاص امام المهارات التقنية لتستفز له ثقافته العامة المكتنزة للخروج بالنص الى صفة الابداع؛
يقول الأديب ( منير عتيبة ) كاتب قصة قصيرة وله مجموعة ( روح الحكاية ) بان القصة القصيرة جدا ابداع مقطر ، ذكاء في الكتابة والتلقي وعمق الفكر وجمال في اللغة ، وكتابتها أصعب من كتابة القصة القصيرة ، في كل كلمة رمز اشاري له دلالته المتعددة وتكثيفها مازي، ويرى ما يراه باحثنا عباس عجاج ان انتشار هذا النوع تابع بسبب ضيق الوقت للكاتب والمتلقي، فهو تعبير عن تسميته ( روح العصر ) ورؤية عباس العجاج للغة والتواصل الدلالي وثنائية المعنى بين القاص والمتلقي ، ووجدت تقارب الفكرة عند الباحث مع الكثير من العقليات الناضجة للنقاد العرب من ناحية نزعة التحرر التي انتبه لها البحث ، الدكتور محمود الضبع يجدها فن قائم بذاته فلا يعتبرها تطور ناتج عن القصة القصيرة ولا هي من توابع السيناريو ، شكل أدبي جديد لو ضوابطه وآلياته وفنيته التي تعتمد على السرد المكثف المبني على اتساع الرؤية وضيق العبارة وكثافة المعنى والمفارقة الدلالية والبنية والمفارقة المشهدية، ويرى ان العقلية العربية تخاف من التجريب الجديد الذي ليس له مرجعيات تراثية، والباحث عباس عجاج يرى ان النقد عد الاشتغال التجريبي مظهرا من مظاهر التخلص من التشبث بتقاليد الواقعية والدخول في مناطق تعبيرية جديدة فاشتغلت القصة القصيرة جدا على عنصر المفارقة وشعرية اللغة.
ويرى الدكتور شريف عابدين ان القصة القصيرة جدا فن راسخ في الغرب ومعترف به في العالم العربي )، وانا اقرأ تلك التشخيصات شعرت بالحزن حين وجدت اغلب النقاد يستشهدون بتجارب عربية واسماء من جميع الدول العربية دون ان يذكروا اسما واحدا من العراق وكأن العراق يخلو من مبدعين عراقيين.
ولهذا أرى ان كتابة هذا البحث يعد مهمة ثقافية وطنية وفكرية توضح الهوية المستقلة وارتباطها بالواقع الحياتي المعبر عنه من خلال تجارب متباينة الآفاق والرؤى، وتظهر معالم التجربة العراقية الكبيرة في هذا المضمار.
والقاصة هناء عبد القادر تكشف لنا حيزا آخرا للنقاش والمتابعة حين ترى أن القصة القصيرة تعاني من معضلة التلقي سواء على مستوى النقاد أو على مستوى القراء ، فنرى أن معظم جيل النقاد ينتمون للجيل القديم الذي يعتمد الرواية كفن للسرد الأول ، وبالمقابل لها تشخيص آخر يرى بأن القصة القصيرة جدا فن مستقل بذاته عن القصة القصيرة وليس اختزالا لها, فهي تمثل تصورا يعكس تطور الحياة ، وخلقت جسورا من التواصل مع الجيل الجديد , وبهذا المعنى تلقي اللوم على النقاد في تجاهلهم للقصة القصيرة جدا ، بل التشكيك فيها.
ويؤكد الباحث عباس عجاج هذا المعنى فهي ليست امتدادا أو تصغيرا للقصة القصيرة، ويحاور تسمية الدكتور صالح هويدي الذي تطوع ليسميها ( السرد الوامض ) ويرى الباحث أن السرد الوامض لا يوحي إلا إلى معنى القصص القصيرة جدا ، والقصة غير الرواية وكلاهما نوع سردي لكن مختلف ، لا يعني اخراج النوع من الجنس بل لكل نوع خصائصه التي تميزه عن سواه ، ويذكر الباحث ما يعده مثيرا للاستغراب إذ أن استاذ النقد والأدب المقارن د نجم عبد الله كاظم يشكك بوجود مصطلح بعنوان قصة قصيرة جدا ، وينكر وجود أي تعريف أو مفهوم واضح أو صريح في مصادر المصطلحات والاجناس, ويعتقد الباحث عباس عجاج ومن باب الانصاف ان تلك النظرة للمرحوم د نجم كانت نظرة مبكرة في وقت لم تتبلور لديه القناعة التامة بان تفرض وتحقق هذا الانتشار.
وهناك رأي جميل للباحث شوقي بدر يوسف يصفها بالطفل المدلل, ويرى ان تأصيلها في المشهد السردي واستيعابها لرؤية الكاتب جعلها موجودة في العالم العربي, وينبغي على الحركة النقدية مواكبة تقدمها؛
لا أعرف هل نحن بحاجة الى مساءلة المنجز النقدي لتعزيز النموذج أو لنقضه؟, وهذا النقض سيكون عبثا امام حضور القصة القصيرة جدا بهذه القوة ، ويعني هناك حاجة ابداعية لوجودها وعلى النقاد اليوم السعي لمؤازرتها مادام هناك رؤية وهوية وزخم اجرائي ، ومن ينكرها من النقاد لابد له من امتلاك أدوات معرفية وفكر نقدي, واغلب المنتقصين من التجربة الابداعية للقصة القصيرة جدا ينطلقون من حاصل نظري فردي, وكان يفترض الارتكاز على النتاج المدروس للوقوف عند قيمها الجمالية والفنية.
واستشهد الباحث بتجربة د جميل حمداوي في كتابه (القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق- مقاربة ميكروسردية ) الذي عدها من الاجناس الأدبية المستحدثة, واعتبر وجودها في العراق والشام ومن ثم المغرب, وأكد وجود ملامح هذا الشكل السردي في التراث القديم الخبر/ الفكاهة / الحديث / النادرة / المثل / القصة / الاحجية / الخرافة, وأكد كذلك من وجود جذوتها عند جبران خليل جبران / نجيب محفوظ / ابراهيم ابو علو / محمد زفزاف / احمد زيادي / زكريا ثامر.
ويرى الباحث عباس عجاج ان الناقد جميل حمداوي لم تقف رؤيته عند أركان وعناصر بل رصد أركان اساسية وشروط تكميلية مثل: التركيز / التفكير / التلغيز / الاقتضاب / التكثيف / ما بين معيار تركيبي وآخر معماري ليصل الى خلاصة بان الباحثين لم يتفقوا على معايير ثابتة
أعجبني
تعليق