اللهم صل على محمد وآل محمد
إن الخطوة الأولى في هذا السفر تبدأ من لحظة الانقلاب والاستفاقة على الواقع الذي يعيشه الإنسان، فالذي يتأمل في نفسه ويعيش حالة التبرم وعدم الرضا، من المرجو له أن يتحرك ويبدأ سفره هذا.. مثله كإنسان خُدر وخُطف، وإذا به يستفيق ويرى نفسه والأعداء يحيطونه من كل جانب، فهذا من المتوقع أن يسعى لتخليص نفسه، ويبادر بالفرار ما أمكنه بكل جهده ووسعه وطاقته، حتى يبتعد ويصل إلى مأمنه.
إن البعض قد يتعذر بعدم وجود الدليل والمرشد، والحال بأن صاحب الأمر (ع) في كل عصر هو المسؤول والراعي عن لهذه الأمة، وهدفه تنمية القابليات.. نحن نعتقد أن الإمام الحسين (ع) وصل إلى قمة السفر، وأخذ بيده أصحابه، وآخر قابلية نماها، هي قابلية الحر بن يزيد.. فهو بنظرة ملكوتية ولائية أنقذه مما هو فيه، وإلا فإن الحياة التي أمضاها الحر في جهاز الظالمين لم تكن تخوله لهذه النقلة، ولكن يقال بأن الذي جعله يترشح لكرامة ونظرة إمام زمانه، هو صلاته مع الإمام (ع)، واحترامه لمولاتنا فاطمة الزهراء (ع) عندما قال له الإمام: ثكلتك أمك!.. وإذا به يستنكف أن يرد بالمثل وإمامه ابن فاطمة (ع).. وعليه، فإن الحر الذي كان قائد جيش يقاتل إمام زمانه، والذي أرعب قلوب الهاشميات، رأى فيه الإمام الحسين (ع) القابلية، ونمى هذه القابلية بدعائه وبحركته وبقوله.. ومن المعلوم أن صاحب الأمر هو وارث الحسين (ع)، ونحن عندما نقول: (السلام عليك يا وراث أبا عبد الله) مخاطبين إمام زماننا، فعلينا أن نعرف أن هذه الوارثية ليست من ناحية الثأر لدمه فحسب!..
إنما ملكات الأئمة وكل ما يقال عن المعصومين، كلها مجتمعة في إمام زماننا (ع)، وهو راعي هذه الأمة.
وعليه، فإن الذي يقدم قرباناً ويقوم بحركة إيجابية، فإنه -بلا شك- سيكون في محط ألطاف الإمام صاحب العصر (عج) وعنايته، الذي إذا رأى القابليات المتميزة فإنه ينميها.. ويحسن ذكر هذه العبارة الجميلة لأحد العلماء الأجلاء: (إن الإنسان إذا صار مخلصاً وجاداً في الوصول إلى الله حتى الحائط يتحول له إلى أستاذ، وإلا لا تنفعه مواعظ النبي الأكرم (ص)).. فإذن، المهم على الإنسان أن يبدي صدقه ويثبت حسن نيته.
إن تصور البدائل الأخرى من اللذائذ، من المحفزات التي تدفع الإنسان إلى السفر.. فالذي يضيق من حر الصيف في مقر سكنه، ويتصور جمال الطبيعة في مكان آخر، لا شك في أنه سيشد الرحال إليه، وإن كلفه الأمر آلاف الدنانير، فكيف إذا كان قد ذهب مسبقاً، ورأى بعينه ذلك الجمال؟!..